الأحد، 1 نوفمبر 2015

المعالم النصرانية بالقدس

 

 

 

 

 

 

 

 

 


الادارة الامريكية ضاقت ذرعا بالمحادثات الاسرائيلية الفلسطينية.. وكيري مصر على متابعتها

الادارة الامريكية ضاقت ذرعا بالمحادثات الاسرائيلية الفلسطينية.. وكيري مصر على متابعتها

 
 
 
 
 


بقلم: ناحوم برنياع
تتحدث احدى القصص الكلاسيكية في الصحافة العبرية عن محرر ليلي في صحيفة “دافار” – ربما كان زلمان شيزار – صعب عليه أن يواجه كثرة الأنباء التي تدفقت عليه من العالم فجمعها جميعا في خبر واحد جعل عنوانه: “العالم مثل قِدر فوارة”.
إن مجموعة الازمة الدولية “انترناشيونال كرايزس غروب” هي منظمة تتابع الازمات في العالم من الميدان. وتتولى العمل في هيئة أمنائها مجموعة جليلة من الرؤساء ورؤساء الحكومات ووزراء الخارجية وأساتذة الجامعات ورجال الاعمال وأكثرهم متقاعدون. وأنا أشارك في مباحثات هذا المنتدى منذ بضع سنين. كان المؤتمر في الرباط في نهاية الاسبوع الماضي شاذا في تشاؤمه. فقد تم استعراض الازمات في العالم واحدة واحدة من اوكرانيا الى سوريا، ومن فنزويلا الى افغانستان، ولم يبدُ حل في الأفق. فالعالم يجري بلا قواعد لعب واضحة والشيء الأساسي أنه لا توجد رؤيا ولا زعيم ولا رب بيت. فامريكا ضعيفة ومستخذية ومنطوية على نفسها. ومجلس الامن في شلل. وانتقد المتحدثون بكلام شديد نوعية الساسة الذين يرأسون اليوم كل واحدة من الدول. فقد تبين أننا لسنا وحدنا في هذه القضية المؤلمة (كانت البشرى الايجابية الوحيدة مع بالغ السخرية، مفاوضة ايران. فهي تتقدم الى الآن تقدما حسنا ويُبدي الايرانيون استعدادا لوقف مشروعهم على شفا القنبلة الذرية؛ والعالم مستعد للتسليم بذلك).
الخميس عاد الى هذا البلد مارتن اينديك رئيس فريق الوساطة الامريكي. فلم تنجح تسيبي لفني وصائب عريقات في أن يلتقيا من غيره. والتوقعات متدنية. ويُقدر الامريكيون أن نتنياهو وأبو مازن ايضا مهتمان باستمرار المحادثات ومستعدان للتوصل الى صفقة يصاحبها افراج عن سجناء. ووعد كيري أبو مازن أن يُفرج في هذه المرة ايضا عن مخربين من مواطني اسرائيل. وقد أُفرج في صفقة شليط ايضا عن مواطنين اسرائيليين ولم يعلُ صراخ. ولم يشاركه نتنياهو في الوعد. وقد سحب كيري غير مختار ورقة اللعب الوحيدة التي كانت معه وهي الافراج عن بولارد. إن بولارد وهو ابن اليمين الضائع، والعزيز على البيت اليهودي، والشخص الذي يقض مضاجع اوري اريئيل وأشباهه، كان يفترض أن يُتم العمل.
ولم يحدث ذلك. فقد كان بولارد مقدسا ما كان وسيلة في نضال اليمين للادارة الامريكية، لكن في اللحظة التي أصبح فيها شيئا في صفقة رزمة مع الفلسطينيين، فقد سحره. فلم تعد توجد ترتيبات فصح للافراج عنه ولا مظاهرات مشحونة بالدموع أمام القنصلية الامريكية. لا بولارد.
إن الذي يتابع في عطف الجهد للافراج عن بولارد هو أبو مازن خاصة. ففي اثناء المحادثات بين الامريكيين والفلسطينيين أُثير اسم مروان البرغوثي. وقدر الاسرائيليون أن الحديث عن ضريبة كلام، فأبو مازن يفضل أن يبقى في السجن، لكنهم اخطأوا، فأبو مازن يؤمن بأن الافراج عن البرغوثي سيمنحه انجازا يؤثر في الشارع الفلسطيني ويجدد الثقة بالمسيرة. ولا يفترض أن يُفرج عن البرغوثي في الصفقة الحالية بل في صفقة سجناء اخرى اذا ما حدثت وحينما تحدث. لكن من يعلم: ربما يكون البرغوثي هو الحل الذي يُخلص نتنياهو من الازمة في ائتلافه الحكومي.
       تعذيب متبادل
أصبحت المحادثات بغيضة الى الجميع. وأُصلح فأقول: الى الجميع تقريبا، فكيري يجريها وكأنه مقامر في كازينو يصر على الاستمرار على وضع ماله على عجلة الروليتا آملا أن تقف العجلة عند رقمه مرة واحدة. وحينما تحمل الرسالة كان يؤمن بأنه سيتوصل الى اتفاق سلام؛ ثم تضاءل بعد ذلك ليصبح اتفاق اطار؛ وتضاءل بعد ذلك ايضا ليصبح اقتراح اطار امريكيا؛ وأصبح بعد ذلك أفكارا فقط. وفي نهاية المطاف تُنفق فخامة شأن امريكا كلها على صفقة هامشية مريبة ستطيل التعذيب المتبادل فقط. إن الامريكيين مستمرون على الوساطة فقط لأنهم يخشون النتائج المدمرة لتفجير المحادثات. وتحولت المحادثات من وسيلة لاحراز اتفاق الى هدف؛ فهذا ما أراده نتنياهو من البداية وهو ما يريده الآن ايضا.
ولهذا السبب نشأ توتر بين البيت الابيض ووزارة الخارجية الامريكية فقد ضاق البيت الابيض ذرعا بالمحادثات، وكيري مصر على الاستمرار. وقد نشرت هذا الاسبوع في صحيفتي “نيويورك تايمز″ و”واشنطن بوست” مقالات دعت كيري الى الاعتراف بالفشل والى صرف نشاطه الى مواضيع أكثر سخونة. ولم تكن المقالات المنشورة صدفة. فقد حاول فريق كيري أن يستخلص دروسا وأن يضائل مشاركته لتصبح حضورا سلبيا ولتمكين الفريقين من اجراء محادثات مباشرة. لكن ذلك لم ينجح الى الآن لأن عدم الثقة بين الرُبانين يفضي الى الشلل. وكلاهما يستغل الامريكيين ليُلاعب الآخر لعبة الشرك.
تستطيع امريكا أن تحيا دون تفاوض ودون اتفاق. والسؤال ما الذي سيحدث لاسرائيل والفلسطينيين. يبدو أن الطرفين يسيران مثل أعميين الى واقع الدولة ذات الشعبين. واسرائيل تهددها موجة ارهاب من المناطق ومقاطعة دولية ونهاية المشروع الصهيوني. أما السلطة فيهددها الانتقاض. ويستطيع أبو مازن أن يحيا دون دولة لكن سيصعب عليه أن يحيا دون مكانة رئيس دولة. ومثله كل مؤسسة فتح. ويوجد في المقاعد الخلفية من كتلة البيت اليهودي الحزبية عدد من الهواة يتمنون اللحظة التي تنتقض السلطة الفلسطينية فيها، بيد أنهم لا يدركون أنها ستنتقض الى داخل بيتنا.
هذا وقت الاعتزال
إن النبي إشعياء في واحدة نبوءات الخراب يُفصل سلسلة الكوارث التي ستصيب الدولة حينما يُبعد الله تأييده عنها. “جعلت وزراءهم فتيان ويحكمهم مراوغون”. إن هذه الآية تعبر تعبيرا صادقا عن رأي تسيبي لفني في نفتالي بينيت وحلفه مع يئير لبيد. إن حيلة هذين الاثنين فرضت على نتنياهو شراكة ائتلافية لم يكن يريدها، وهي شراكة غير ممكنة. فما بقي لبيد مصرا على عدم الجلوس مع الحريديين يظل نتنياهو عالقا مع بينيت وتُساق الدولة الى هاوية.
لو كان الحديث عن مسألة ايديولوجية وقضايا كالقدس والحدود وحق العودة لأمكن أن نتفهم المعارضة. لكن أن يكون ذلك الافراج عن عدد من القتلة من مواطني اسرائيل؟ في صفقة شليط ايضا أُفرج عن مواطنين اسرائيليين. فلماذا لا يمر اليوم ما مر آنذاك.
استقر رأي لفني على أن تحارب لاستمرار المحادثات. وأصبحت هذه حربها الآن لا غير. أما بينيت في مقابل ذلك فقد اقتنع بأنه لن تكون صفقة. وهو يعتقد أن نتنياهو يرسل لفني الى لقاءات لا نفع منها.
وتعلم لفني أنه ما بقي بينيت في الداخل فلا احتمال لصفقة تقريبا. ويدرك الفريق الامريكي ذلك ايضا. لكن اذا أصبح بينيت في الخارج فلن تكون حكومة. وسيدخل حزب العمل فقط اذا مضى نتنياهو الى الرئيس وعرض عليه اتفاقا ائتلافيا جديدا، وميزانية جديدة وتوجها جديدا الى التفاوض. وسيقبل اليمين في الليكود حزب العمل اذا جاء مع الحريديين فقط لكن لبيد يعترض على الحريديين.
إن الامر السياسي معقد. حينما نافس بينيت في رئاسة البيت اليهودي أقسم ألا يكون المفدال. ففي الانفصال هدد المفدال بترك الحكومة لكنه تمسك بالمقاعد. وفقد في واقع الامر قدرته على التأثير واضطر آخر الامر الى ترك الحكومة ايضا. ولهذا اختار أن يهدد في الدقيقة الاربعين بدل أن يهدد في الدقيقة التسعين فبذلك يستطيع أن يُحدث الاجراء قبل أن يفوت الوقت.
وهو يعلم أن رفاقه يحاولون تسكين النفوس من وراء ظهره. إن اعضاء المفدال يخشون البقاء في الخارج؛ ولا يسارع أوري اريئيل وجماعته من الحريديين المتدينين الى التخلي عن مواقع القوة التي تبوأوها. ويوجد مرج واضطراب لكن الجميع سيُكيفون أنفسهم آخر الامر مع إنذاره.
يبدأ كل شيء بعدم ثقته بنتنياهو وهو ثمرة المدة التي عملها معه. “حينما تصاغ صفقة إعرضها علي وسأقرر”، قال نتنياهو. وفي يوم الخميس قبل اسبوعين دعاه نتنياهو الى لقاء فجاء من جولة في الجنوب. وسمع في الطريق أن أبو مازن توجه الى منظمات الامم المتحدة، فقال بينيت: “فجر أبو مازن الصفقة الآن، فلا يوجد ما يُتحدث فيه”.
وسكّنه نتنياهو. “هذا رمزي مصيره الدرج. ولن يحدث شيء بذلك” (ولد توجه أبو مازن الى الامم المتحدة من تلكؤ في القرار الاسرائيلي على الصفقة خلافا للوعود الامريكية. وأساسه عدم الفهم والتسرع الزائد. ورد نتنياهو بعقوبات ليس لها معنى فوري، بموافقة الامريكيين وبعلم الفلسطينيين. وأيدت لفني العقوبات).
في يوم الخميس الاخير عاد نتنياهو فعرض على بينيت الصفقة. “هل سيرجع الفلسطينيون عن توجههم الى الامم المتحدة؟” سأل بينيت فأجابه نتنياهو: “لا”. فاستشاط بينيت غضبا. “كنتم تقولون لي منذ اسبوعين إن ذلك سخافة وترهات وتقولون الآن إنه يجب التسليم؟ ليس ذلك واردا في الحساب”. وبعد ذلك فورا صدر عنه الاعلان الذي يهدد بترك الحكومة.
إن بينيت على يقين من أن هذا وقت غير سيء لترك المحادثات، فالعالم مشغول باوكرانيا لا بنا. ولسنا مهمين كثيرا. وقد خرج قُبيل عيد الفصح للتنزه في مختيش رمون ورمى الكرة الى ملعب نتنياهو. فبينيت على يقين من أن نتنياهو ليس له ائتلاف حكومي آخر وأنه لن يتجه الى انتخابات فهو يكره المخاطرة.
واستعدت لفني للقاء آخر مع اينديك وعريقات آملة أن يتحرك شيء. وقد حصرت عنايتها في النظر الى الامام الى المحادثات. نظرت زوجة لوط الى الوراء فتحولت الى عمود ملح، فلم تشأ لفني أن تكون مثل زوجة لوط.
في السعادة والفقر
في الاسبوعين الاخيرين جُست المغرب مع اصدقاء من الشمال الى الجنوب، من جبال الاطلس الى الصحراء الغربية. وما كنت لأُجهد القارىء بذكر هذا الامر لولا خشيتي من أن تُغلق هذه النافذة الرائعة الى العالم العربي ايضا في غضون سنة أو سنتين بسبب التدهور السياسي أو بسبب ضرورات أمنية، كما أغلقت في واقع الامر النافذة الى مصر. فتحسن المسارعة الى السفر.
إن كل شيء على ما يرام الى الآن، فالباعة في الاسواق يكثرون قول “شالوم” (سلام) و”ما شلومخة” (كيف حالك) و”حفال عل هزمان” (خسارة على الوقت)، ويتذكر السابلة في القرى النائية في شوق ما كانت ترويه لهم جداتهم عن الايام التي كان يسكن اليهود فيها بينهم. وحينما يسمعون قصصا مشابهة في اوكرانيا وبولندة والمانيا يرفض القلب قبولها ويرفض تصديقها: فليست الاشواق هي التي تفصلنا عنهم بل المحرقة، لكن أمر مغادرة اليهود للمغرب مختلف.
نشأت في المغرب صناعة صغيرة حول سياحة التعرف على جذور اليهود، وهي تحيط بالمقابر والكنس ودكاكين بيع التحف التذكارية في الاسواق بالطبع. ويمكن أن تجد هنا وهناك شمعدانات عادية من صنع اسرائيل أصبحت قديمة في المغرب كي تباع للاسرائيليين من جديد.
إن أمزارو قرية صغيرة في غور الردع غير بعيدة عن الباب الى الصحراء الغربية. وبيوت قصبتها القديمة مصنوعة من الطين المضغوط. وفي الفناء الصغير تسكن الحيوانات الداجنة. ويحيا بالقرب منها أو فوقها الناس، وقد رُمم الكنيس في القرية باموال جمعية يهودية. وليس فيه تابوت القدس بل كوة للتابوت فقط، لكن روح القدس تغطيه. ويروي شاب من شباب القرية اختص باعمال السياحة كيف كان يحيا المسلمون واليهود جنبا الى جنب في سعادة الى أن استقر رأي اليهود على المغادرة في أول موجة بعد نشوء الدولة، وكانت الموجة الثانية في ستينيات القرن الماضي. يصعب اليوم أن نقيس مقدار السعادة عن مبعدة عمر جيلين. لكن الامر المؤكد أن أبناء التاركين أصبحوا أقل فقرا مما كان آباؤهم فهم يعيشون في فرنسا أو في اسرائيل. ويقومون هم وأشباههم بزيارات الى القرية للتعرف على الجذور تكون مؤثرة حتى ذرف الدموع، لكن نشك في أن يكون أحد منهم يريد العودة ليحيا هِميّاً في أمزارو في غور الدرع في بيت من الطين.
صحيفة يديعوت