فندق شبرد والكسل العربي
الأربعاء 08 صفر 1432هـ - 12 يناير 2011م
عبد الرحمن الراشد
فندق شبرد، مبنى تاريخي في حي الشيخ جراح في الجزء الفلسطيني المحتل من القدس، بناه الحاج أمين الحسيني قبل ثمانين عاما وقام رجل أعمال يهودي أميركي بشرائه وهدمه لبناء المزيد من الشقق السكنية للأسر الإسرائيلية.
وعدا عن القيمة التاريخية للمبنى المهدوم، فإنه يمثل مؤشرا سياسيا خطيرا لمدينة هي محل الحرب المقبلة. هدم الفندق والإعلان عن بناء ونقل عائلات إسرائيلية إلى هذه المنطقة الفلسطينية لقي انتقادات دولية مختلفة، إلا أن المشروع ماض في طريقه.
يبرر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تقاعس حكومته، بأنه لا يستطيع منع الإسرائيليين من الانتقال والعيش في منطقة لأن فيها سكانا عربا، وقال إنه بإمكان الفلسطينيين الانتقال والسكن في الأحياء اليهودية، وأنه نشاط استيطاني فردي لا دخل للحكومة فيه.
ومع أنه تبرير مرفوض من الناحية القانونية لأننا أمام حالة احتلال، دوليا محرم بالإجماع، فإن ما قاله نتنياهو يستحق الامتحان. لماذا لا يجرب فلسطينيو القدس شراء عقارات في المناطق اليهودية؟
معضلتان أمام هذه الفكرة البسيطة. الأولى، أن هذا السماح محصور بساكني القدس من الفلسطينيين الذين تصنفهم إسرائيل في خانة سكان المدينة، بخلاف بقية مواطني الضفة وغزة المحتلتين، الذين لا يحق لهم السكن في القدس. وعدد الفلسطينيين مائتا ألف فقط. أما الإسرائيليون فباستطاعتهم الانتقال من تل أبيب والسكن في القدس إن شاءوا، وهي بذلك تريد تغيير المدينة ديموغرافيا.
فندق شبرد اشتراه رجل أعمال أميركي يدعى فينغ موسكوفيتش منذ عقدين تقريبا، وهو رجل مهووس بتغيير معالم العاصمة المقدسة.
والمعضلة الثانية أن سكان القدس من الفلسطينيين في معظمهم فقراء لا يستطيعون الاستثمار في المناطق اليهودية أو حتى في مناطقهم، ولا يمكن مقارنة بضعة آلاف من السكان بملايين من اليهود من سكان إسرائيل أو من الموالين لها في الغرب.
ومع أن العرب نددوا بهدم الفندق، وكذلك فعلت الولايات المتحدة وتجاوزهم قناصل أوروبا داخل إسرائيل، الذين طالبوا بلدانهم باتخاذ إجراءات عقابية ضد ما يحدث في القدس المحتلة، فإن ذلك لا يكفي لمواجهة الأزمة المقبلة في القدس والتي ستمتد آثارها إلى أنحاء متفرقة في العالم الإسلامي. الدول العربية عبرت عن قلقها ومخاوفها واحتجاجها ولم تفعل إلا القليل لمنع ما يحدث مباشرة. لم تقدم إلا النزر اليسير لدعم سكان المدينة الفلسطينيين، ولم تقدم الدعم للمنظمات الدولية لحماية آثارها وبيوتها التاريخية ودعم جمعياتها.
ما الذي يمنع من الاتفاق مع المنظمات الدولية لمساعدة السكان الفلسطينيين حتى يحافظوا على بيوتهم ودكاكينهم ويحاولوا مواجهة ما يحدث بالطريقة «القانونية» التي تحدث عنها نتنياهو؟ إن ما يطرح في الساحة العربية إما الحديث عن السلام دون الرغبة في أخذ خطوات جادة، أو الدعوة للحرب دون أن توجد حكومة واحدة مستعدة لفعل ذلك. في غياب التحرك في أي اتجاه فإن أقل ما نتوقعه هو مساعدة الذين يجلسون في مواجهة الاحتلال، إنه مطلب صغير أمام عجز عربي كبير.
*نقلا عن "الشرق الأوسط" اللندنية