الاثنين، 27 سبتمبر 2010

البابا شنودة:وفاء قسطنطين على قيد الحياة..والقبطي لا يحمل سلاحا إلا في حالتين

البابا شنودة:وفاء قسطنطين على قيد الحياة..والقبطي لا يحمل سلاحا إلا في حالتين

قصة حزب الله

قصة حزب الله 1/3 بقلم د. راغب السرجاني السبت, 27 حزيران/يونيو 2009



د. راغب السرجاني



شعار حزب الله
من أكثر النماذج التي أبهرت معظم المسلمين في السنوات الأخيرة نموذج حزب الله اللبناني، وكذلك زعيمه حسن نصر الله، الذي وصفته مجلة النيوزويك الأمريكية بأنه أكثر شخصية كاريزمية في العالم الإسلامي، وأشدهم تأثيرًا على جمهور المسلمين.

والعلماء والمفكرون الإسلاميون يختلفون اختلافًا بيِّنًا في تقييم هذا الحزب، وكذلك في تقييم زعيمه حسن نصر الله؛ فمنهم الذي يدافع باستماتة حتى يلقِّب حسن نصر الله بخليفة المسلمين، ومنهم من يهاجم بضراوة حتى يُخرجِهم كُلِّيةً من الإسلام، وهناك عشرات الآراء بين هذين الطرفين.

فأين الحقيقة في هذا الأمر؟ وهل يجوز لنا أن ننبهر بإنجازات حزب الله؟ وهل ينبغي أن نعتبره رمزًا يجب أن نحافظ عليه، أم ينبغي أن ننبه الناس إلى خطورته؟ وهل يجوز أن نتبنَّى مدرسة السكوت التي يفضِّلها كثير من المسلمين، فيقولون: لا داعي لفتح هذه الصفحة الآن؟ أم أنّ السكوت لا معنى له؛ إذ إن الأحداث تستمر، والمشاكل تتفاقم، وكما تعلمون الساكت عن الحق شيطان أخرس؟!

إننا كما تعودنا في مقالاتنا السابقة لكي نفهم الشيء لا بد أن نعود إلى جذوره، ولا بد أن نفهم القصة من بدايتها، ولا بد أن نعرف كيف نشأ حزب الله، وفي أي ظروف. كما لا بد أن نفهم قصة مؤسسيه وعقيدتهم وطريقة تفكيرهم وأحلامهم وأهدافهم ووسائلهم، وعندها ستتضح لنا كثير من الأمور الغامضة، وسنستخدم عقولنا في توجيه عواطفنا؛ لأنّ حديث العقل شيء، وحديث العاطفة شيء آخر تمامًا.

كيف نشأ حزب الله؟
نشأ حزب الله في دولة لبنان، ودولة لبنان لها طابع فريد يختلف عن كل دول العالم؛ إذ إنها دولة طائفية بشكل عجيب، إذ تعيش على أرضها 18 طائفة دينية معترف بها، ولعل طبيعتها الجبلية هي التي كانت سببًا في أن يأوي إليها أصحاب المذاهب المخالفة للحكم، ومن ثَمَّ وُجد فيها النصارى على اختلاف مللهم، وكذلك الشيعة والدروز وغيرهم. ويتعارف اللبنانيون فيما بينهم على أن أكبر ثلاث طوائف في لبنان هي: طائفة المسلمين السُّنَّة، وطائفة الشيعة الاثني عشرية، وطائفة النصارى الموارنة، ويأتي من بعدهم بكثير الدروز، وهم محسوبون على المسلمين، وإن لم يكونوا كذلك.



التوزيع العقائدي لسكان لبنان
ولقد حرص الاستعمار الفرنسي الذي دخل لبنان سنة 1920م أن يرسِّخ هذه الطائفية، بل أن يركّز معظم السلطات في يد حلفائه من النصارى الموارنة، غير أنه بعد الاستقلال سنة 1943م تم وضع الدستور اللبناني الذي أعطى رئاسة الجمهورية للموارنة، ورئاسة الحكومة للسُّنَّة، ورئاسة مجلس النواب للشيعة، ولم يتم تطبيق هذا الدستور فعليًّا إلا في سنة 1959م، حيث كانت كلُّ المراكز قبل هذا التوقيت في يد الموارنة.

ولأجل هذه الحساسية الطائفية فإن اللبنانيين تجاهلوا تمامًا القيام بتعداد للسكان يوضِّح - على وجه الدقة - نسبة كل طائفة، وإن كانت أقرب التحليلات تقول إن السنة 26%، وكذلك الشيعة 26%، بينما يمثل الموارنة 22% من السكان، ثم الدروز 5.6 %.

وبطبيعة الحال فإن كل طائفة سعت إلى التمركز في مكان معين حتى تصبح قوة يمكن أن تؤثر فيما حولها؛ فيتمركز الشيعة في الجنوب اللبناني وسهل البقاع، ويتمركز السُّنَّة في شمال لبنان ووسطه ومدن الساحل (بيروت وطرابلس وصيدا)، بينما يتمركز الموارنة في جبل لبنان، وكذلك بيروت الشرقية.

ولعل تمركز الشيعة في جنوب لبنان يفسِّر لنا الصدام الذي حدث مع اليهود في العقود الأخيرة، فالصدام - كما سنبيِّن بإذن الله - لم يكن صدامًا عقائديًّا، ولم يكن صدامًا لله U، ولم يكن صدامًا لتحرير فلسطين، إنما كان صدامًا لتعرُّضِ المناطق الرئيسية التي يسيطرون عليها للضياع، وليس هناك بُدٌّ في هذه الحالة من المقاومة، وإلاّ تنتهي القصة برُمَّتِها.. ولو كان الهجوم اليهودي على مناطق السُّنَّة، ما تحرك الشيعة - يقينًا - قيد أنملة.

موسى الصدر وجذور القصة
ونعود إلى جذور قصتنا..



موسى الصدر


لقد عاش السُّنَّة والشيعة مهمَّشين إلى حد كبير إلى جوار الموارنة المؤيَّدِين من فرنسا والمجتمع الدولي، ولكن بدأ السُّنَّة والشيعة في محاولة البحث عن الذات وإثبات الوجود، خاصة في أواخر الخمسينيات. وفي الوقت الذي فقدت فيه السُّنَّة من يحمل قضيتها، أو يتبنَّى مشروعها، خاصة مع المد القومي الاشتراكي الذي عمَّ العالم العربي في ذلك الزمن، في هذا الوقت وجد الشيعة متنفسًا للنمو والتصاعد عندما نزل إلى أرض لبنان رجلٌ من الشيعة المؤثرين الذين تركوا بصمة واضحة على خريطة لبنان، وهو
موسى الصدر، وذلك في سنة 1959م.
ولد موسى الصدر في مدينة قُمّ الإيرانية سنة 1928م، ودرس هناك المذهب الاثني عشري، وصار محاضرًا في جامعة قُمّ يدرِّس الفقه والمنطق، وانتقل إلى مدينة النجف في العراق سنة 1954م ليكمل دراسته الشيعية على يد المراجع الشيعية الكبرى، أمثال محسن الحكيم وأبي القاسم الخوئي، ثم انتقل بعد ذلك إلى لبنان في سنة 1959م، حيث استقر فيه بقية عمره.

جاء موسى الصدر إلى لبنان وهو يحمل معه أمرين مهمَّين:

أما الأمر الأول فهو المشروع الشيعي الديني لإقامة دولة شيعية في لبنان، وهو يريد أن يقيم هذه الدولة من منطلق مذهب الاثني عشرية بكل معتقداتها وأفكارها المنحرفة، وبكل بدعها المنكرة، ولو أردتم التفصيل فعودوا إلى مقال "أصول الشيعة"؛ حيث فصَّلتُ في نشأة الشيعة والأفكار التي يعتقدونها. مع العلم أن الشيعة في لبنان في ذلك الوقت لم يكونوا متدينين، بمعنى أنهم كانوا شيعة اسمًا لكنهم لم يكونوا يدركون طبيعة مذهبهم ولا قواعده.

أما الأمر الثاني الذي كان يحمله فهو كميات كبيرة جدًّا من الأموال التي تُسهِّل له إقامة مشروعه هذا. ومن المعلوم أن المراجع الشيعية في العالم واسعة الثراء؛ حيث يعطي لهم الشيعة خُمُس دخلهم (20% كاملة) من منطلق أنهم من آل البيت، وهذه الأموال خالصة لهم يتصرفون فيها كما يشاءون، وبها يسيطرون على مقاليد الأمور حيث يُكَوِّنون قوة اقتصادية ضخمة.

الشيعة ومحاربة الحكم السني
إن مذاهب الشيعة في الأساس ما هي إلا ثورات على النظام الحاكم تهدف إلى السيطرة وإلى الحكم بشكل يعارض المناهج السُّنية ويحاربها، ولقد نجحت الشيعة في السيطرة على مناطق واسعة من العالم الإسلامي في مراحل مختلفة من التاريخ، وإنْ شئتم فراجعوا مقال "سيطرة الشيعة"، حيث تظهر بوضوح الآثار السلبية المقيتة لهم عندما يسيطرون على الحكم في مكان، ولكن بسقوط الدولة الصفوية في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي فَقَد الشيعة سيطرتهم في كل الدنيا، وخَمَد مشروعهم فترة طويلة من الزمن، ولكن من جديد عاد هذا الفكر التسلُّطي يظهر في فترة الخمسينيات، وظهرت الرغبة الجامحة في إنشاء دولة تنشر الفكر الاثني عشري المنحرف بقوة السلطة والسلاح، وكانت الأماكن المرشَّحة لهذه الدولة لا تخرج عن ثلاثٍ؛ إيران والعراق ولبنان، حيث يوجد أعداد من الشيعة تسمح بقيام دولة.

لقد كان اللوبي الشيعي يخطط لقيام دولة في إحدى هذه الدول الثلاث أو فيها كلها، وتم تقسيم الرجال على المناطق المختلفة، فهناك من يعمل على قلب نظام الحكم في إيران وعلى رأس هؤلاء الخوميني، وهناك من يعمل لذلك في العراق وسنتحدث عنهم بإذن الله في مقال لاحق، وهناك من سيُرسل للعمل في لبنان وهو موسى الصدر. لقد كانت عملية متشابكة معقدة متأنية، فليس هناك مانع من أن يتم النجاح بعد عشرات من السِّنين، ولكن المهم أن يتم، وهذا هو نفس أسلوب قيام الدول الشيعية القديمة مثل الدولة البويهية، والدولة العبيدية المسماة زورًا بالفاطمية، وغيرها، وراجعوا ذلك في مقال "سيطرة الشيعة". وعادةً ما تعمل هذه التنظيمات مع طبقة الكادحين في الشعب والفقراء، فتبثّ فيهم روح الانقلاب على الأغنياء وأصحاب القصور، وتثير مسألة الثورة المترسِّخة في وجدان الشيعة، ومن ثَمَّ يحدث الانقلاب وتقوم الدولة الشيعية.

إن هذا الأمر شاهدناه في التاريخ وشاهدناه كذلك في إيران، وقد يتيسر لنا الوقت - بإذن الله - لشرح قصة ثورة الشيعة هناك، ونحن الآن نشاهد خطوات بشكل واضح في لبنان والعراق، وإذا تم الأمر في هاتين الدولتين الأخيرتين، فإنّ التوسع بعدهما قد يشمل سوريا والكويت والبحرين والمنطقة الشرقية من السعودية؛ لذلك وجب أن تُكتب هذه الكلمات، وأن يفهم المسلمون الأحداث من حولهم.

التخطيط لقيام دولة شيعية
وعودة إلى قصة لبنان..



الدولة الشيعية في لبنان
لقد تم إرسال موسى الصدر إلى لبنان للتخطيط لقيام دولة شيعية، وقد تم اختياره لأن له أصولاً لبنانية، وكان يجيد العربية إلى جوار الفارسية، وكان التنسيق بينه وبين الخوميني متواصلاً، بل إن هناك علاقاتٍ أخرى أقوى من التنسيق السياسي كانت بينهما؛ فابن الخوميني وهو أحمد الخوميني متزوج من بنت أخت موسى الصدر، وكذلك ابن موسى الصدر متزوج من حفيدة الخوميني، كما أن مصطفى الخوميني كان من أقرب الأصدقاء إلى موسى الصدر.

توجَّه موسى الصدر مباشرة إلى جنوب لبنان حيث الكثافة الشيعية، وبدأ في العمل من المنطلق الاجتماعي دون بروز شكل ديني واضح؛ فقام بتأسيس المؤسسات الخدمية لمساعدة الفقراء والمحتاجين، وكذلك المدارس والعيادات الطبية، ثم بدأ يُظهِر توجُّهه الشيعي شيئًا فشيئًا، فأنشأ المحاكم الجعفرية التي تحكم بين الشيعة بمذهبهم الاثني عشري، وكان الطابع الطائفي للبنان يسمح له بمساحة من العمل، خاصة مع الضعف الشديد للحكومة اللبنانية وجيشها..

كان موسى الصدر رجلاً يلعب على كل الأوتار، ويضع يده في يد كل الآخرين بُغية الوصول إلى هدفه، ولقد علم من البداية أن التيار المسيحي الماروني هو الأقوى في لبنان آنذاك، وأن التيار السُّني منافس له، مع العلم أن السنة في ذلك الوقت لم يكونوا ملتزمين بتعاليم السنة أو الدين الإسلامي، إنما كانوا ينتهجون المناهج القومية والاشتراكية والعلمانية إلا من رحم الله U.






تقرب موسى الصدر من التيار المسيحي لأن الشيعة كما نعلم من البداية ما هي إلا ثورة على المنهج الإسلامي السني، ورفض لقصة الإسلام بدايةً من أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، ومرورًا بكل الدول الإسلامية السنية التي حكمت أمتنا؛ ففكرها في الأصل صدامي مع أهل السنة، ومن هنا توجه موسى الصدر إلى شارل الحلو رئيس لبنان الماروني في ذلك الوقت، ولم يتجه إلى زعماء السنة لتجميع قوى المسلمين، ورأى فيه شارل الحلو حليفًا مناسبًا ضد الشارع السني، فقرَّبه وشجَّعه، ومن ثَمَّ وافق في عام 1967م على إنشاء المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ليكون ممثلاً لشيعة لبنان، بل وافق شارل الحلو على إصدار قانون رقم 72/ 76 وهو يقضي بأنه لا يمانع أن تكون مرجعية المجلس الشيعي في فتاويها وأحكامها وقوانينها تعود إلى المراجع الشيعية الكبرى في العالم (إيران والعراق وغيرهما)، وليس بالضرورة إلى الأحكام في لبنان!
وتم إنشاء هذا المجلس بالفعل سنة 1969م، وكان موسى الصدر أول رئيس له بالطبع، واعترفت الحكومة بهذا المجلس في سنة 1970م، بل وقررت صرف عشرة ملايين دولار مساعدةً للجنوب الشيعي.

ولم ينس موسى الصدر أن يسوِّق لنفسه عند أمريكا؛ ففي لقاء مع السفير الأمريكي ذكر الصدر أنه يقاوم المد الناصري الاشتراكي في شباب الشيعة في لبنان، وقد اشتهر أمر علاقته بالأمريكان حتى اتهمه بذلك المقربون من الخوميني، وكان الخوميني يعتبر أمريكا في هذه المرحلة خطرًا داهمًا؛ لأنها كانت مؤيِّدة للشاه الإيراني بقوة.

وحدث تطور على عكس ما يريده موسى الصدر في سنة 1970م، حيث تعرَّض الفلسطينيون المهجَّرون في الأردن إلى مذبحة عُرفت في التاريخ باسم أيلول الأسود، ومِن ثَمّ تم تهجير الفلسطينيين بقيادة فتح إلى لبنان، وعلى غير رغبة الشيعة كان هذا التهجير إلى الجنوب اللبناني (بالقرب من فلسطين) إلا أن الفلسطينيين من السُّنَّة، وهذا سيؤدي إلى تعطيلٍ لمشروع الدولة الشيعية، مع العلم أن فتح في ذلك الوقت كان توجُّهها اشتراكيًّا علمانيًّا، بعيدًا كل البُعد عن تعاليم الإسلام.

ومع ذلك فقد استفاد موسى الصدر في هذه المرحلة من فتح، وأقام معها علاقات ودِّيَّة بُغية أن تقوم فتح بعد ذلك بتدريب الشيعة عسكريًّا؛ استعدادًا لتكوين مليشيات مسلحة تؤثر في مسيرة لبنان، وكانت فتح - في نفس الوقت - تبحث عن حليف إلى جوار الشيوعيين، فقامت بينهما علاقة مصالح.



الرئيس السوري حافظ الأسد


وفي سنة 1971م صعد إلى كرسي الحكم في سوريا الرئيس حافظ الأسد وهو من الطائفة العلوية النُّصيرية، وهي طائفة خارجة عن الإسلام وإنْ كانت محسوبة عليه في التقسيمات السياسية، وهم يؤلِّهُون عليًّا t - تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا، ومع ذلك فقد سارع موسى الصدر بإعلان فتوى يشير فيها إلى أن العلويين شيعة، وأنه بذلك يعتبر حافظ الأسد من المسلمين! وهذا أدى إلى تقارب شديد مع سوريا ونظامها الحاكم، وصار موسى الصدر همزة وصل بين حافظ الأسد وقادة الثورة الإيرانية، حيث كان حافظ الأسد يؤيد الانقلاب على الشاه، بل إنه كان مؤيدًا لإيران بعد قيام الثورة في حربها ضد العراق؛ لعدائه الشديد لصدام حسين.
وهكذا كان موسى الصدر يضع بذور دولته الشيعية الجديدة، متعاونًا في ذلك بقوة مع المراجع الدينية الكبرى في العالم خاصة الخوميني، وكذلك مع نصارى لبنان، وأيضًا أمريكا وسوريا، بل أيضًا مع فتح المحسوبة على السُّنَّة.

وفي سنة 1974م أسس موسى الصدر حركة المحرومين، تنادي بحقوق أكبر للفقراء، وانضم في البداية عددٌ كبير من المسيحيين في الجنوب إلى هذه الحركة؛ ظنًّا منهم أنها حركة قومية تهدف إلى إخراج فقراء لبنان من أزمتهم، لكنهم خرجوا بعد رؤية التوجُّه الشيعي الواضح للحركة، ثم ما لبث الصدر أن عقد اتفاقًا مع ياسر عرفات قائد حركة فتح لتدريب حركة المحرومين عسكريًّا، تحت سمع وبصر الحكومة اللبنانية الضعيفة.

وفي يوليو 1975م أعلن الصدر عن تكوين جناح عسكري لحركة المحرومين سمّاه "أفواج المقاومة اللبنانية"، والتي تعرف اختصارًا بحركة "أمل"، وكان هو بالطبع على رأسها.

وما لبث موسى الصدر أن تنكَّر للفلسطينيين، وطالب بقوة برحيل الفلسطينيين السُّنة من الجنوب الشيعي، وسنرى - بعد ذلك - أن أتباعه في حركة أمل سيقاتلون الفلسطينيين في حرب المخيمات الشهيرة من عام 1985م إلى عام 1988م.

ودخلت لبنان في سنة 1975م في تيه الحرب الأهلية، وهي حرب معقدة جدًّا دخلت فيها أطراف داخلية كثيرة، وأطراف خارجية أكثر، وسنحتاج أن نُفرِد لها تحليلات خاصة حتى نفهمها بشكل واضح.

موسى الصدر وعداوات كثيرة
صار موسى الصدر بعد تأسيس المجلس الشيعي الأعلى، وبعد تأسيس حركة أمل قوة لا يُستهان بها؛ مما أثار حفيظة الكثيرين، ذلك أن موسى الصدر ما كان يخفي هذه القوة أو يواريها، بل كان كثيرًا ما يهدد صراحةً في مؤتمراته بتسليط أنصاره على قصور الأغنياء في لبنان إن لم تتحقق مطالبهم، بل إنه صار ينتقد بعض الأفعال للخوميني، ويتعامل مع الجهات العالمية دون الرجوع إلى المراجع الدينية التي أرسلته أصلاً إلى لبنان، وزاد الأمر حدة عندما زار إيران وتقابل مع الشاه شخصيًّا، طالبًا منه العفو عن اثني عشر قائدًا دينيًّا كان الشاه قد قرر إعدامهم، واعتبر الخوميني ذلك خروجًا عن التنسيق العالمي للشيعة، وتعاملاً مع الشاه عدو الثوريين. وتفاقم الأمر في سنة 1978م عندما تأزمت العلاقات فجأة بين سوريا والصدر، وذلك أن سوريا كانت تحت ضغط شديد من الدول المحيطة وأمريكا بعد زيارة السادات للكيان الصهيوني في سنة 1977م، وأرادت سوريا أن تقف معها لبنان بقوة لوجود الجيش السوري آنذاك بلبنان، وأرادت أيضًا من الصدر ألاّ يتخذ له حلفاء غير سوريا، لكن الصدر كان قد شعر بقوته وضعف موقف سوريا، فأراد أن يزيد من علاقاته مع الدول العربية مخالفًا بذلك لتحذير سوريا، ومن هنا زار الكويت، ثم أتبعها بالجزائر، ثم أخيرًا توجَّه إلى ليبيا في أغسطس 1978م، لتحدث المفاجأة الكبرى حيث أعلنت ليبيا أن الصدر قد غادر أراضيها في 25 من أغسطس 1978م، لكنه لم يظهر بعد ذلك في أي مكان في الدنيا!!

إنها مسألة عجيبة حقًّا؛ لأن موسى الصدر ليس طفلاً يتوه في المطار، وليس شخصية عابرة لا تدري الدولة أين ذهب، ولكن من الواضح أنه قد تم اعتقاله واغتياله.

إن الأعداء المتربصة بموسى الصدر الآن أصبحوا كثيرين، وأصابع الاتهام أشارت إلى عددٍ منهم، وعلى رأس هؤلاء قيادة الثورة التي ستقوم في إيران بعد عام واحد، والتي لا تريد وجود شخصيات كاريزمية لها علاقات متعددة تنافس الخوميني على صدارة الدولة الشيعية الجديدة. كما أن إغضاب النظام السوري كان يعني في ذلك الوقت مؤامرة اغتيال؛ فالطريقة الدموية التي كان يتعامل بها النظام السوري مع معارضيه معروفة ومشهورة، وليبيا نفسها كانت على علاقات قوية بقيادة الثورة الإيرانية، وستدعمهم بعد ذلك ضد العراق، أما القوى الداخلية في لبنان والتي تستفيد من إزاحة موسى الصدر فكثيرة؛ فالحرب الأهلية اللبنانية كانت على أشدها.






لقد أصبح اختفاء موسى الصدر لغزًا محيِّرًا تنافس السياسيون في حلِّه، لكن لم يصل أحدهم إلى نتيجة مؤكدة، والمهم أن موسى الصدر ترك الساحة من خلفه مشتعلة، وترك حركة أمل المسلحة التي تحمل مشروعه، وترك منصبًا شاغرًا في المجلس الشيعي الأعلى، وبعد عام واحد ستقوم الثورة الإيرانية لتطيح بالشاه، وبعد أعوام أربعة ستجتاح القوات الصهيونية جنوب لبنان.
ومن رحم كل هذه التشابكات المعقدة خرج حزب الله الشيعي ليكمل مشروع الصدر ولكن بتوجُّه إيراني لا التباس فيه.. كيف حدث هذا؟ وما هو مصير أمل؟ وما هو موقف الشيعة من الفلسطينيين في الجنوب؟ وكيف علا نجم حزب الله؟ ومن هو حسن نصر الله؟ وما هي عقيدته وأفكاره؟

هذا حديث قد يطول، وهو حديث مقالنا القادم بإذن الله، ونسأل الله أن يُعِزَّ الإسلام والمسلمين.





د. راغب السرجاني

شرعية سلاح حزب الله

ش


سلاح حزب الله وشرعيته... خطر التآكل الداخلي



شبكة النبأ: شهدت جلسة مجلس الشيوخ الأمريكي التي عقدت في الثامن من يونيو حول بدائل التعامل مع حزب الله اللبناني انقساماً حاداً بين مؤيدي تصعيد الضغوط علي الحزب للتخلي عن سلاحه والفريق المؤيد للحوار مع قيادات الحزب للتوصل لتسوية ملائمة ترضي كافة الأطراف اللبنانية، حيث أشار مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمانJeffrey Feltman إلي أن حزب الله لا يزال يمثل تهديداً للأمن الداخلي في لبنان ولاستقرار منطقة الشرق الأوسط، مؤكداً علي أن نزع سلاح حزب الله شرط أساسي لاكتساب الشرعية الدولية معتبراً أن حزب الله لا يزال أكثر المجموعات الإرهابية قدرة في العالم، وهو يشكل تهديداً متواصلا للولايات المتحدة.

ومن ثم فإن الحوار مع قياداته من منظور فيلتمان لن يكون مجدياً. وفي المقابل دعي الدبلوماسي الأمريكي المتقاعد ريان كروكرRyan Crocker للحوار مع حزب الله مشيراً إلي حزب الله يعد أحد أطراف المشهد اللبناني شديد التعقيد ولا يمثل مجرد طرف تابع لإيران وسوريا.

موقف إدارة الرئيس أوباما في هذا الصدد لا يختلف كثيراً عن سابقتها، حيث لا تعتبر الحوار مع حزب الله سياسة أحد بدائل سياستها تجاه الحزب وإن كانت تركز علي الحفاظ علي الهدنة القائمة بين إسرائيل وحزب الله والحيلولة دون نشوب مواجهة عسكرية بينهما علي غرار الحرب الإسرائيلية علي لبنان في صيف عام 2006، مع التشديد علي منع تهريب الأسلحة إلي حزب الله، بما يعني أن إدارة أوباما تحمل حزب الله كافة تبعات التوتر علي المستويين السياسي والعسكري وتعتبر احتفاظ الحزب بأسلحته أحد أهم التحديات التي تقوض سيادة الدولة اللبنانية وتجعل التدخل الدولي والإقليمي في الشؤون الداخلية اللبنانية أحد ثوابت الوضع السياسي . بحسب موقع تقرير واشنطن.

ومن هذا المنطلق جاءت دراسة كل من ستيفن سيمون Steven Simonو جوناثان ستيفنسون Jonathan Stevenson التي نشرت في عدد صيف 2010 بدورية الديمقراطية Journal of Democracy تحت عنوان " معضلة حزب الله "، حيث أكدت الدراسة علي أن فرض عقوبات علي حزب الله أو الدولة اللبنانية من خلال مجلس الأمن لإجبار الحزب علي التخلي عن أسلحته لن يؤدي لتغير الوضع الراهن و تصفية الحزب لجناحه العسكري علي غرار ما يعتقده بعض المحللين والساسة المحافظين في الولايات المتحدة، ويري المؤلفان أن الحوار يعتبر أكثر البدائل فاعلية وأقلها تكلفة بالنسبة للإدارة الأمريكية إذا ما أرادت تحقيق الاستقرار علي الحدود اللبنانية الإسرائيلية والتصدي لجمود عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط .

إشكاليات نزع سلاح حزب الله

لم تكن مطالبة الولايات المتحدة بنزع سلاح حزب الله الأولي علي المستوي الدولي، حيث سبقها عدة دعوات من جانب عدة دول أوروبية تطبيقاً لمقتضيات القرار 1701 الصادر من مجلس الأمن عام 2006 علي أثر الحرب الإسرائيلية علي لبنان، وكانت من أهم تلك المطالبات ما ورد في تصريحات وزير الخارجية البريطاني ديفيد مليباند في ديسمبر 2009 حول ضرورة استمرار حوار بريطانيا مع حزب الله حول نزع سلاح الأخير لتعزيز سلطات الحكومة اللبنانية وسيادة الدولة .

وتظل احتمالات موافقة حزب الله علي التخلي عن نزع أسلحته في إطار صفقة توافقية مع الولايات المتحدة والدول الغربية غير قابلة للتحقق واقعياً، نظراً لغياب تلك القضية عن الأجندة الداخلية اللبنانية، فعقب الصراع السياسي المحتدم قبيل الانتخابات البرلمانية اللبنانية، توافقت كل من كتلة الرابع عشر من آذار بزعامة سعد الحريري، وكتلة الثامن من آذار بزعامة كل من الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله وميشيل عون، علي تشكل حكومة وحدة وطنية في 9 نوفمبر 2009، لا تتضمن أجندتها أي أشارة مباشرة أو غير مباشرة لنزع سلاح حزب الله ، وعقب تشكيل الحكومة توافق الطرفان علي إمرار تشريع يسمح لحزب الله بالاحتفاظ بأسلحته باعتبارها أحد ركائز سياسة الدفاع الوطني اللبنانية .

ولا يمثل حزب الله كما يبدو للوهلة الأولي مجرد ميليشيا مسلحة تقوم بأنشطة عسكرية مضادة لإسرائيل وإنما يمكن اعتبارها منظمة معقدة ذات وظائف عسكرية وسياسية واجتماعية خدمية، تستند لتمركزها في أحد أكثر المناطق احتياجاً للتنمية وتستمد قوتها من تمثيلها للطائفة الشيعية في لبنان إلي جانب حركة أمل ومما ساعد دور حزب الله علي التمدد، ما سببه الاستهداف الإسرائيلي المتواصل لجنوب لبنان من تصاعد لشعبية الحزب ليس فقط في الداخل اللبناني وإنما في المنطقة العربية بأسرها، وتلقي الحزب لدعم مادي وعسكري ودبلوماسي من إيران وسوريا، فضلاً عن الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في مايو عام 2000 وهو ما اعتبرته قيادات الحزب مؤشراً علي نجاح الحزب في التصدي للجيش الإسرائيلي وإجباره علي الانسحاب أحادي الجانب، وهو ما تعزز بتصدي الحزب بنجاح للحرب الإسرائيلية علي لبنان في أغسطس 2006 .

دولة داخل دولة

تشير كافة العوامل سالفة الذكر إلي تمتع الحزب بقدر كبير من الشرعية الداخلية والإقليمية تمنحه موقف تفاوضي قوي في مواجهة الأطراف الدولية المعنية بنزع سلاحه ناهيك عن احتمالية رفضه لطرح الفكرة أو التفاوض حول نزع السلاح لعدم وجود ضغوط داخلية ولغياب هذه القضية عن الأجندة المعلنة لتحالف 14 آذار .

وعلي مستوي آخر فإن حزب الله اللبناني يتمتع بشبكة علاقات دولية متميزة تدعم موقفه فيما يتعلق بنزع السلاح، فمجلس الشورى التابع للحزب له علاقات رسمية معلنة بالمرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي وعلاقات وثيقة بالحرس الثوري الإيراني الي جانب علاقات الحزب الوثيقة بسوريا وهو يعني أن التفاوض مع الحزب علي نزع السلاح يبدأ بتحييد علاقته بحلفائه الإقليميين لإضعاف موقفه التفاوضي وهو ما قد لا يكون ممكناً في ظل توظيف إيران لقدرات الحزب في الدفاع عن مصالحها الإقليمية وكخط دفاع جيواستراتيجي في مواجهة التهديدات الإسرائيلية باستهداف برنامجها النووي .

ومما يعزز من موقف حزب الله في مواجهة الضغوط الدولية التهديدات الإسرائيلية المتواصلة للبنان واستحكام العداء بين الدولتين وفي ظل افتقاد الجيش اللبناني للقدرة علي مواجهة إسرائيل وإحجام الولايات المتحدة والدول الأوروبية عن تزويده بمنظومات تسلحيه متقدمة استجابة للضغوط الإسرائيلية ولوجود مخاوف من سيطرة حزب الله عليها في ظل الضعف الذي يعتري مؤسسات الدولة اللبنانية نتيجة التعددية الطائفية والمذهبية .

معضلة تآكل الشرعية الداخلية

يعاني حزب الله في المقابل من نقاط ضعف تعزز من موقف الأطراف المؤيدة لنزع أسلحته أهمها تقلص الشرعية الداخلية للحزب بعد قيام الحزب بمحاصرة مقر الحكومة اللبنانية والسيطرة عسكرياً علي بيروت في 7 مايو 2008 عقب الكشف عن شبكة اتصالات مستقلة للحزب، وهو ما أنطوي علي دلالة هامة أدركتها كافة القوي اللبنانية مفادها أن حزب الله قد يستخدم سلاحه لحسم الصراع السياسي في الداخل اللبناني لصالحه عكس أدعاء قيادات الحزب بأن منظومته التسلحية موجهة لإسرائيل بالأساس .

وكانت نتائج الانتخابات التشريعية اللبنانية مؤشراً آخر علي التآكل التدريجي للشرعية الداخلية لحزب الله، حيث لم يفز التحالف الذي يقوده الحزب سوي بحوالي 57 مقعد من إجمالي 128 مقعد، في مقابل تحقيق تحالف 14 آذار للأغلبية، وقد يكون ذلك محفزاُ آخر يدفع قيادات الحزب للتفاوض حول تخليه عن سلاحه مقابل الاعتراف الدولي بشرعيته .

وتسهم علاقات التحالف الوثيقة بين الحزب وإيران في إضعاف شرعية حزب الله وتسمح لخصومه السياسيين في اتهامه بالعمالة للخارج وخدمة المصالح الإيرانية علي حساب مصلحة لبنان، وهو ما قد يدفع الحزب لتعزيز شرعيته الداخلية من خلال التأكيد علي استقلاليته عن طهران وقد يكون التفاوض حول نزع السلاح أحد الاستراتيجيات التكتيكية التي قد يتبعها الحزب.

ويرتبط ذلك بتقلص الدعم السوري للحزب واقتصاره علي الدعم اللفظي منذ انسحاب القوات السورية من لبنان عام 2005 علي أثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، ومنذ ذلك الحين، بدأت المكانة الإقليمية لسوريا في التراجع ومعها الدعم السوري لحزب الله وفي الآونة الأخيرة بدت سوريا أكثر رغبة في التقارب مع الولايات المتحدة وتحسين علاقاتها معها، ناهيك عن انخراط سوريا في مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل بوساطة تركية والتي توقفت مع بداية الحرب الإسرائيلية علي غزة نهاية عام 2008 وهو ما زاد من ضعف الدعم السوري لحزب الله وجعل إيران هي الطرف الإقليمي الأساسي الداعم للحزب .

الاحتواء

تبدأ عملية نزع سلاح حزب الله بمراقبة واعتراض شحنات الأسلحة الإيرانية الموجهة إلي حزب الله قبل وصولها إلي لبنان والاستعانة بمساعدة سوريا في هذا الصدد، ويمكن اعتبار لقاء مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية وليام بيرنز William Burns والرئيس السوري بشار الأسد قبيل نهاية عام 2009 أحد المؤشرات علي اتجاه الإدارة الأمريكية لدفع سوريا للامتناع عن مساعدة حزب الله وإيران في عمليات تهريب الأسلحة وهو ذات القضية التي ركزت عليها مباحثات الرئيس دانييل بنيامين Daniel Benjamin منسق وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون مكافحة الإرهاب مع نظرائه السوريين خلال زيارته لدمشق في أكتوبر 2009 عقب مصادرة القوات الأمريكية لثماني حاويات ذخيرة وأسلحة كان يتم نقلها عبر الحدود العراقية السورية ويعتقد أنها كانت في طريقها لحزب الله في جنوب لبنان .

ويمثل تحييد الدور السوري أحد أهم محددات نجاح نزع سلاح حزب الله – وفق رؤية الكاتب – لاسيما في ظل تصاعد الاتهامات الإسرائيلية لسوريا في أبريل الماضي بتهريب صواريخ باليستية متطورة لحزب الله والقذائف المضادة للطائرات من طراز SA-2 والتي استخدمها الحزب خلال الحرب الإسرائيلية علي لبنان عام 2006 ،و يتطلب التصدي لتهريب الأسلحة دعم قوات اليونيفيل UNIFIL II الموجودة في جنوب لبنان والارتقاء بقدراتها العسكرية من خلال مشاركة قوات من عدة دول أهمها بريطانيا وفرنسا وألمانيا إلي جانب الولايات المتحدة.

علي مستوي آخر فإن التقارب مع حزب الله والتفاوض مع قياداته مباشرة من شأنه أن يعزز فرص نجاح جهود نزع السلاح من خلال إيجاد صيغة لدمج الجناح العسكري لحزب الله في الجيش اللبناني بحيث يخضع لسيطرة مؤسسات الدولة اللبنانية، وهو ما يتطلب ممارسة ضغوط علي إسرائيل لتقديم تنازلات جادة علي المسار اللبناني لإنهاء التهديد الذي يمثله حزب الله لحدودها الجنوبية وأهم تلك التنازلات الانسحاب من مزارع شبعا المتنازع عليها والتسليم بالسيادة المطلقة للبنان عليها بما يؤدي لغياب المبرر الأساسي لاستمرار احتفاظ حزب الله بسلاحه.

و في السياق ذاته فإن زيادة المساعدات العسكرية الأمريكية الممنوحة للبنان ستكون أحد أهم العوامل الداعمة لطرح قضية نزع سلاح حزب الله علي الأجندة الداخلية اللبنانية، حيث لم تتجاوز المساعدات العسكرية التي وافقت إدارة الرئيس جورج بوش علي منحها للبنان حوالي 300 مليون دولار عقب الانسحاب السوري من لبنان ولكن فرضت الإدارة قيود علي واردات الأسلحة للبنان وخاصة القذائف المواجهة والدبابات والطائرات ومعدات جمع البيانات الاستخباراتية مراعاةً لاعتبار إسرائيل تلك المعدات تهديداً لأمنها القومي إذا ما استطاع حزب الله الحصول عليها نتيجة غياب الاستقرار السياسي وسيطرة الدولة في لبنان.

و من ثم اقتصرت الإمدادات الأمريكية للبنان علي بعض الطائرات التكتيكية بدون طيار وبعض الزوارق الحربية ولم تتمكن الولايات المتحدة من إمداد الجيش اللبناني بالأسلحة التي تؤدي لرفع كفاءته القتالية في مواجهة التهديدات الخارجية، ناهيك عن تعزيز قدرته للمساهمة في نزع سلاح حزب الله ، ومن ثم لم تعد قضية نزع سلاح حزب الله مطروحة بقوة علي الأجندة اللبنانية علي اعتبار أن القضية لا يمكن حسمها من داخلياً وأنها ستؤدي لمزيد من التردي للأوضاع السياسية غير المستقرة . ويخلص الكاتب إلي أن نجاح الجهود الدولية الهادفة لنزع سلاح حزب الله يتوقف علي بدأ الأطراف اللبنانية المناوئة لحزب الله في إيلاء مزيد من الاهتمام بها ووضعها علي أجندة الحوار الوطني مع حزب الله علي اعتبار أن تدعيم سيادة الدولة اللبنانية يقتضي احتكار الدولة اللبنانية في السيطرة علي أدوات القهر السياسي والمتمثلة في القوات المسلحة والشرطة وامتلاك حزب الله لمنظومة تسلحيه متطورة مستقلة عن الدولة اللبنانية يتعارض مع مقتضيات السيادة والأمن القومي اللبناني.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 26/أيلول/2010 - 16/شوال/1431