معطيات النكبة وتداعيات اللجوء
بقلم عباس زكي .
عضو اللجنة المركزية لحركة فتح
قبيل انتهاء الحرب العالمية الأولى وتحديدا يوم الثاني من نوفمبر عام 1917 ، أصدر وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفور وعده المشئوم بأن منح اليهود وعدا بإقامة وطنا لهم في فلسطين، وبذلك أعطت بريطانيا حقا لا تملكه لمن لا يستحق. احتلت بريطانيا فلسطين عام 1918 وفي عام 1922 وضعت عصبة الأمم المتحدة فلسطين تحت الانتداب البريطاني حيث بدأت معاناة الشعب الفلسطيني ورحلة الصمود والمقاومة من اجل البقاء على أرضهم وفي وطنهم. وتفردت بريطانيا مدعومة بالكتلة الغربية الاستعمارية بفلسطين وأطبقت كافة حلقات الجريمة الدولية من حول شعب فلسطين الذي لم يبقى أمامه غير جدار الصمود والتضحية بأبنائه دفاعا عن وطنه ومستقبل حياته. وشهدت الأراضي الفلسطينية مقاومة عنيفة على كل المستويات السياسية والعسكرية، ودفع الشعب الفلسطيني بخيرة أبنائه في مواجهة القوات البريطانية والعصابات الصهيونية المسلحة المدعومة من بريطانيا حتى عام 1948 والذي شهد تنفيذ الخطة الصهيونية المحكمة ارتكبت خلالها العصابات الصهيونية عشرات المذابح المعروفة التي كان أشهرها مذبحة دير ياسين والطنطورة وام الزينات والدوايمة وتم في سياقها الاستيلاء على يافا وحيفا واللد والرملة وعكا وعسقلان واحتلال وتدمير القرى الفلسطينية ومحوها من الوجود والتي وصلت إلى أكثر من 500 قرية، تم تشريد أهلها الأمنيين إلى العراء والجبال والكهوف، حيث استهدفت العصابات الصهيونية كل مظاهر الحياة والوجود الفلسطيني وقامت بنسف البيوت والمباني وإغلاق المصانع والمعامل والأسواق ومن ثم السيطرة عليها وحرقها وتخريبها وكذلك حرق المطابع ومقرات الصحافة والإعلام والمدارس والمساجد والكنائس والمسارح ودور السينما والمعاهد التعليمية والأماكن السياحية والترفيهية التي كانت تعج بها مدن الساحل الفلسطيني وحرق المزروعات والبيارات وقطع الحركة والمواصلات بين القرى والمدن والأرياف والمضارب البدوية وأطبقت العصابات الصهيونية بدعم ومساندة واضحة من القوات البريطانية سيطرتها التامة على كافة المناطق الفلسطينية المستهدفة، وتم طرد الفلسطينيين إلى الدول العربية المجاورة، وعلى الرغم من قرار الدول العربية بدخول جيوشها لمساعدة الفلسطينيين، إلا أنها وقفت عند حدود التقسيم الذي صدر عام 1948، ولم تقوى على الحركة خارج الإرادة السياسية التي وضعت هذه الحدود ورسمت خرائطها في مراحل متقدمة من اغتصاب فلسطين، وتمت تصفية قيادات المقاومة الفلسطينية المسلحة التي أخذت على عاتقها مسؤولية مقاومة المشروع الصهيوني الاستعماري، حيث استشهد القائد الوطني الكبير للمقاومة الفلسطينية المسلحة عبد القادر الحسيني في 8 نيسان عام 1948 في معركة القسطل على المشارف الغربية لأبواب مدينة القدس، وفي 13 يوليو من نفس العام استشهد القائد الوطني عبد الرحيم محمود في معركة الشجرة بالقرب من مدينة طبريا، وتلاهما بعد ذلك القادة الشهداء الأبرار الآخرين في سائر المواقع والمحاور القتالية، وبالتالي خسرت فلسطين معركتها المصيرية، وسيطرت العصابات الصهيونية على نسبة 78 % من أراضي فلسطين الانتدابية بدل من نسبة 56% التي أجازها قرار التقسيم رقم 181 الصادر عن الجمعية العامة للام المتحدة عام 1947، و تحولت جيوش الإنقاذ العربي إلى قوة وصاية على الشعب الفلسطيني بعد ترحيله وإجلائه عن أرضه بالقوة والإرهاب الصهيوني المسلح، كما أعلنت حكومة بريطانيا الاستعمارية إنهاء انتدابها على فلسطين في تاريخ 14 أيار 1948، وتلا ذلك في اليوم الثاني إعلان الحركة الصهيونية عن قيام دولة إسرائيل في فلسطين، وبذلك تم اقتلاع وترحيل 85% من سكان فلسطين العرب خارج حدود سيطرة العصابات الصهيونية على الأراضي الفلسطينية والتي تجاوزت حدود التقسيم بنسبة 22% كما سبق واشرنا . وعلى ضوء ذلك صدر قرار الأمم المتحدة رقم 194 في 10 ديسمبر عام 1948 الذي نص على وجوب السماح بالعودة في اقرب وقت ممكن للاجئين الفلسطينيين الراغبين في العودة إلى بيوتهم وتعويض من لا يرغب بذلك. ونشوء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للمفوضية السامية للأمم المتحدة وتفويضها برعاية شؤون اللاجئين الفلسطينيين في المهاجر والشتات وإنشاء المخيمات لإيوائهم. وانعقد مؤتمر أعيان فلسطين في مدينة أريحا وتم الإعلان عن وثيقة الوحدة بين الضفتين في إطار المملكة الأردنية الهاشمية. وبالنسبة لقطاع غزة فقد وضع تحت الإدارة المصرية. وفي ظل حالة الضياع التي عاشها الشعب الفلسطيني والتشتت الفكري والتخبط التنظيمي وتعدد الانتماءات السياسية والفكرية، بقي شعبنا الفلسطيني حيا يبحث عن طريق الخلاص من حياة الذل والهوان ووضع حد للتشرد والضياع للعودة إلى وطنه ودياره. انطلقت الرصاصة الشجاعة في الفاتح من يناير عام 1965 على أيدي أبناء الفتح بقيادة الزعيم الخالد ياسر عرفات، لتشق قوات العاصفة الجناح العسكري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني " فتح " طريق الثورة إلى فلسطين، وبذلك بدأت مسيرة الحرية والكرامة والعودة والتحرير، من خلال العمليات العسكرية التي اجتاحت الأراضي الفلسطينية، إلى أن قامت إسرائيل بشن حرب ضد ثلاث دول عربية مجاورة عام 1967، وتمكنت من احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء المصرية، بالإضافة إلى هضبة الجولان السورية. وعلى الرغم من هزيمة الجيوش العربية عام 1967 إلا أن الثورة الفلسطينية واصلت عملياتها العسكرية، وتمكنت بعد مضي ثمانية شهور على الهزيمة أن تصنع مع الجيش الأردني الباسل انتصارا لأول مرة في معركة الكرامة بتاريخ 21 مارس من عام 1968، ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي وصف انذاك بالجيش الذي لا يقهر، وأن تفرض عليه التمسمر بدل التقدم المستمر، وأن تعيد بوحدة الدم الفلسطيني الأردني الاعتبار للجيوش التي هزمت في حرب حزيران / يونيو 1967 . ومع استمرار العمليات العسكرية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، دفع الشعب الفلسطيني آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين على طريق التحرير والعودة، ولم تتوقف مشاريع التصفية والتآمر على القضية الفلسطينية من اجل إنهائها وفرض الأمر الواقع على شعبنا الفلسطيني، وفي الوقت نفسه لم يتوقف التحرك الفلسطيني السياسي على كل المستويات من أجل البحث عن حقوق الشعب الفلسطيني وفرض واقع جديد للشعب الفلسطيني، وتمكنت الثورة الفلسطينية من تحويل الشعب الفلسطيني من شعب لاجئ يقف على أبواب وكالة الغوث ليتلقى المعونات إلى شعب مقاتل يبحث عن الحرية والكرامة، وأن تصنع من جغرافيا صغيرة أكبر قضية تشغل العالم. وفي عام 1974 وقف الشهيد ياسر عرفات ممثلا للشعب الفلسطيني لأول مرة على منبر الأمم المتحدة مخاطبا العالم وهو يحمل بندقية الثائر من أجل الحرية ليقول للعالم بأسره أن لا سلام ولا استقرار في منطقة الشرق الأوسط دون أن يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة في الحرية والكرامة، وحقه بالعودة إلى أرضه ووطنه التي طرد منها. وتمكنت الثورة الفلسطينية من انتزاع الاعتراف الدولي بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني، وعضوية كاملة في جامعة الدول العربية، وحصلت على مقعد مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقرارا دوليا رقم 3236 بحق الشعب الفلسطيني استخدام كل أشكال النضال بما في ذلك الكفاح المسلح. ولكن كلما تقدمت عجلة الثورة ازدادت المؤامرة عليها، فلم تنقطع محاولات إسرائيل للقضاء على الثورة الفلسطينية إلى أن تمكنت من محاصرة بيروت حيث تتواجد القيادة الفلسطينية ولمدة 88 يوما إلا أنه فشلت بالقضاء عليها، وخرجت قوات الثورة الفلسطينية من لبنان إلى عدة دول عربية، ولكن الثورة الفلسطينية لم تتوقف عن الوصول إلى فلسطين واستمرت عملياتها الموجعة لقوات الاحتلال، إلى أن تفجرت الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الأولى والتي تمكنت من هز أركان الكيان الصهيوني والعالم بأسره نظرا للصمود الأسطوري لشعبنا في وجه آلة الحرب الصهيونية المدعومة بكل أنواع الأسلحة من الولايات المتحدة الأمريكية، ولأسلوبها الفريد والذي قاوم الدبابة الصهيونية بالحجر، وانتصار الدم على السيف بانتفاضته الكبرى في ديسمبر 1987، مما أدى الى التحرك الأمريكي والأوروبي والعالم بأسره لوقف هذه الانتفاضة العظيمة، حيث عقد مؤتمر مدريد للسلام وصولا إلى توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية ، والذي أدى إلى إقامة سلطة فلسطينية على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة. لقد ظن الإسرائيليون أن باستطاعتهم ترويض واحتواء وإخضاع الشعب الفلسطيني للمشروع الصهيوني، وهذا ما أكده مؤتمر كامب ديفيد الذي تميز عرفات بعدم قبول الغموض الأمريكي بشأن القدس والمستوطنات، فحوصر ياسر عرفات في مقر إقامته في رام الله، اعتقادا بأنهم يستطيعون إنهاء الحلم الفلسطيني في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس، فجاء الرد من القائد التاريخي للشعب الفلسطيني بقوله من مقره المحاصر " على القدس رايحين ... شهداء بالملايين " وازدادت الانتفاضة الفلسطينية والمواجهة مع الاحتلال قوة وشدة وعنفوانا وإصرارا وإيمانا بمواصلة المواجهة والمقاومة حتى تحقيق النصر المتمثل بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وحق شعبنا الفلسطيني بالعودة إلى وطنه طبقا لقرار الشرعية الدولية رقم 194. واليوم وبعد أكثر من عشرين عاما من المفاوضات المباشرة مع الكيان الصهيوني، وفي ظل هذه الظروف الاستثنائية الغاية في القسوة والتعقيد في منطقة الشرق الأوسط، وتقسيم المقسم وتشتيت وتفتيت الأمة، يتعرض شعبنا الفلسطيني لأبشع الجرائم التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية في إطار إرهاب الدولة المنظم، موغلة في الاستيطان وسرقة الأرض وهدم البيوت والقتل والإعدامات الميدانية دون رادع قانوني أو أخلاقي، في محاولة فاشلة ومتكررة للقضاء نهائيا على القضية الفلسطينية.
لقد أصدرت الأمم المتحدة أكثر من ثلاثين قرارا تؤكد وتدعو لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، ولكن إسرائيل مدعومة بالفيتو الأمريكي رفضت جميع هذه القرارات، بل تحاول أن تصنع نكبة جديدة للشعب الفلسطيني من خلال العمل على تهجير وإبعاد شعبنا عن أرضه ووطنه، إلا أن القيمة الحقيقية لشعبنا الفلسطيني وبخاصة اللاجئين تتجلى في صموده وتمترسه وراء حقه، فهذه القيمة تمثل بوصلة النضال الوطني الفلسطيني للتحرر من الاحتلال، فقضية اللاجئين هي المحرك الرئيسي والفعلي لديناميكية العمل النضالي بأشكاله السياسية والشعبية والتنظيمية وصولا إلى الحرية والاستقلال الوطني، فقد وصف الراحل ياسر عرفات بأن الشعب الفلسطيني خلقه الله للشدة والتحمل وهو ماض في النضال حتى تحقيق أهدافه الوطنية ولن يتوقف أبدا حتى تحقيق حلمه بالعودة إلى أرضه طال الزمن أم قصر.
إن حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجروا منها قسراً وتعويضهم عن أملاكهم وما لحق بهم طيلة 68 عاما مضت هو حق لا تنازل عنه أبداً وقد ضمنه القرار الأممي رقم 194 الذي ظل حبيس إدراج الأمم المتحدة ولم يخرج إلى الحياة، مما يستدعي تحركا عربيا فاعلا لإلزام العالم المدافع عن الحريات بتنفيذ القرار، وقد آن الأوان لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني بعد تلك السنوات العجاف التي لم تنته عند حدود النكبة بل ظلت إسرائيل مستمرة في مخططات التهجير ونهب الأرض ومصادرتها وتهويد القدس، فتآكلت أرضنا أمام غول الاستيطان. فعمق القضية الفلسطينية ينبع من بعدها العربي، مما يحتم على الأشقاء العرب حكومات وأحزاب أن يعيدوا الاعتبار لقضية العرب الأولى رغم إدراكنا حجم هموم الأشقاء الداخلية، التي تستغلها إسرائيل لتمرير مخطط خطير يستهدف النيل من مشروعنا الوطني لتقويض مبدأ إقامة دولة فلسطين.
فعلى الرغم من الإجماع العالمي بالاعتراف بدولة فلسطين عضوا مراقبا في الأمم المتحدة، إلا أن العالم اجمع بات أمام اختبار حقيقي من اجل إنصاف شعبنا وإزالة الظلم التاريخي عنه، وإجبار إسرائيل على الإيفاء بالتزاماتها ومعاقبتها على جرائمها المتواصلة بحق شعبنا، والتأكيد على أنه لا مجال لاستقرار المنطقة إلا بتمكين شعبنا من ممارسة حقوقه وفي مقدمتها حق العودة تنفيذاً للقرار (194) وحق تقرير المصير وحق إقامة دولته وعاصمتها القدس.
لقد جاءت اللحظة لرفع الظلم التاريخي الذي وقع على شعبنا جراء النكبة التي غيرت وجه المنطقة في أبشع صور التطهير العرقي والتهجير الذي مورس ضد الشعب الفلسطيني عام 1948 وإقامة دولة الاحتلال الإسرائيلي على أنقاض مدن وقرى فلسطين وعلى ذكريات وأحلام شعب تحول بين ليلة وضحاها من صاحب ارض إلى لاجئ في مخيمات ظلت شاهدة على هول الجريمة.
لقد أعطت القيادة السياسية الفلسطينية كل شيء من أجل السلام، إلا أن الحكومة الإسرائيلية استمرت برفض الالتزام بتنفيذ الاتفاقات المبرمة بين الطرفين، لذلك لابد من التنفيذ الفوري لقرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي عقد في آذار / مارس الماضي، والقاضي بتحديد العلاقة مع الجانب الإسرائيلي، ووقف التنسيق الأمني بأشكاله كافة مع سلطة الاحتلال في ضوء عدم التزامها بالاتفاقيات الموقعة بين الجانبين، والإسراع بإنهاء الانقسام الفلسطيني وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية الضمانة الحقيقية لإنجاز المشروع الوطني الفلسطيني، وإن تعذر تحقيق الوحدة ينبغي على حركة فتح أن تقوم بعمل إبداعي خلاق يحافظ على قيادة و ريادة المشروع الوطني، كما فعلت في السابق عندما حولت شعبنا من لاجئين إلى مقاتلين من أجل الحرية، عند ذلك سيجبر الآخرون على اللحاق بها. كما حان الوقت أكثر من أي وقت مضى من أجل تفعيل المواجهة الميدانية الواسعة مع الاحتلال والتي ينبغي أن تشمل كافة القرى والمدن، وفي الوقت نفسه ملاحقة مجرمي الحرب قادة الاحتلال على ما اقترفوه من جرائم ضد الشعب الفلسطيني، وعلى كل المستويات من محكمة لاهاي وحتى المحاكم الوطنية في دول أوروبا والدول الأخرى. وستبقى العدالة الدولية ناقصة ما دام اللاجئون الفلسطينيون يعيشون في المخيمات ولم يعودوا لبيوتهم ووطنهم .
عضو اللجنة المركزية لحركة فتح
قبيل انتهاء الحرب العالمية الأولى وتحديدا يوم الثاني من نوفمبر عام 1917 ، أصدر وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفور وعده المشئوم بأن منح اليهود وعدا بإقامة وطنا لهم في فلسطين، وبذلك أعطت بريطانيا حقا لا تملكه لمن لا يستحق. احتلت بريطانيا فلسطين عام 1918 وفي عام 1922 وضعت عصبة الأمم المتحدة فلسطين تحت الانتداب البريطاني حيث بدأت معاناة الشعب الفلسطيني ورحلة الصمود والمقاومة من اجل البقاء على أرضهم وفي وطنهم. وتفردت بريطانيا مدعومة بالكتلة الغربية الاستعمارية بفلسطين وأطبقت كافة حلقات الجريمة الدولية من حول شعب فلسطين الذي لم يبقى أمامه غير جدار الصمود والتضحية بأبنائه دفاعا عن وطنه ومستقبل حياته. وشهدت الأراضي الفلسطينية مقاومة عنيفة على كل المستويات السياسية والعسكرية، ودفع الشعب الفلسطيني بخيرة أبنائه في مواجهة القوات البريطانية والعصابات الصهيونية المسلحة المدعومة من بريطانيا حتى عام 1948 والذي شهد تنفيذ الخطة الصهيونية المحكمة ارتكبت خلالها العصابات الصهيونية عشرات المذابح المعروفة التي كان أشهرها مذبحة دير ياسين والطنطورة وام الزينات والدوايمة وتم في سياقها الاستيلاء على يافا وحيفا واللد والرملة وعكا وعسقلان واحتلال وتدمير القرى الفلسطينية ومحوها من الوجود والتي وصلت إلى أكثر من 500 قرية، تم تشريد أهلها الأمنيين إلى العراء والجبال والكهوف، حيث استهدفت العصابات الصهيونية كل مظاهر الحياة والوجود الفلسطيني وقامت بنسف البيوت والمباني وإغلاق المصانع والمعامل والأسواق ومن ثم السيطرة عليها وحرقها وتخريبها وكذلك حرق المطابع ومقرات الصحافة والإعلام والمدارس والمساجد والكنائس والمسارح ودور السينما والمعاهد التعليمية والأماكن السياحية والترفيهية التي كانت تعج بها مدن الساحل الفلسطيني وحرق المزروعات والبيارات وقطع الحركة والمواصلات بين القرى والمدن والأرياف والمضارب البدوية وأطبقت العصابات الصهيونية بدعم ومساندة واضحة من القوات البريطانية سيطرتها التامة على كافة المناطق الفلسطينية المستهدفة، وتم طرد الفلسطينيين إلى الدول العربية المجاورة، وعلى الرغم من قرار الدول العربية بدخول جيوشها لمساعدة الفلسطينيين، إلا أنها وقفت عند حدود التقسيم الذي صدر عام 1948، ولم تقوى على الحركة خارج الإرادة السياسية التي وضعت هذه الحدود ورسمت خرائطها في مراحل متقدمة من اغتصاب فلسطين، وتمت تصفية قيادات المقاومة الفلسطينية المسلحة التي أخذت على عاتقها مسؤولية مقاومة المشروع الصهيوني الاستعماري، حيث استشهد القائد الوطني الكبير للمقاومة الفلسطينية المسلحة عبد القادر الحسيني في 8 نيسان عام 1948 في معركة القسطل على المشارف الغربية لأبواب مدينة القدس، وفي 13 يوليو من نفس العام استشهد القائد الوطني عبد الرحيم محمود في معركة الشجرة بالقرب من مدينة طبريا، وتلاهما بعد ذلك القادة الشهداء الأبرار الآخرين في سائر المواقع والمحاور القتالية، وبالتالي خسرت فلسطين معركتها المصيرية، وسيطرت العصابات الصهيونية على نسبة 78 % من أراضي فلسطين الانتدابية بدل من نسبة 56% التي أجازها قرار التقسيم رقم 181 الصادر عن الجمعية العامة للام المتحدة عام 1947، و تحولت جيوش الإنقاذ العربي إلى قوة وصاية على الشعب الفلسطيني بعد ترحيله وإجلائه عن أرضه بالقوة والإرهاب الصهيوني المسلح، كما أعلنت حكومة بريطانيا الاستعمارية إنهاء انتدابها على فلسطين في تاريخ 14 أيار 1948، وتلا ذلك في اليوم الثاني إعلان الحركة الصهيونية عن قيام دولة إسرائيل في فلسطين، وبذلك تم اقتلاع وترحيل 85% من سكان فلسطين العرب خارج حدود سيطرة العصابات الصهيونية على الأراضي الفلسطينية والتي تجاوزت حدود التقسيم بنسبة 22% كما سبق واشرنا . وعلى ضوء ذلك صدر قرار الأمم المتحدة رقم 194 في 10 ديسمبر عام 1948 الذي نص على وجوب السماح بالعودة في اقرب وقت ممكن للاجئين الفلسطينيين الراغبين في العودة إلى بيوتهم وتعويض من لا يرغب بذلك. ونشوء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للمفوضية السامية للأمم المتحدة وتفويضها برعاية شؤون اللاجئين الفلسطينيين في المهاجر والشتات وإنشاء المخيمات لإيوائهم. وانعقد مؤتمر أعيان فلسطين في مدينة أريحا وتم الإعلان عن وثيقة الوحدة بين الضفتين في إطار المملكة الأردنية الهاشمية. وبالنسبة لقطاع غزة فقد وضع تحت الإدارة المصرية. وفي ظل حالة الضياع التي عاشها الشعب الفلسطيني والتشتت الفكري والتخبط التنظيمي وتعدد الانتماءات السياسية والفكرية، بقي شعبنا الفلسطيني حيا يبحث عن طريق الخلاص من حياة الذل والهوان ووضع حد للتشرد والضياع للعودة إلى وطنه ودياره. انطلقت الرصاصة الشجاعة في الفاتح من يناير عام 1965 على أيدي أبناء الفتح بقيادة الزعيم الخالد ياسر عرفات، لتشق قوات العاصفة الجناح العسكري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني " فتح " طريق الثورة إلى فلسطين، وبذلك بدأت مسيرة الحرية والكرامة والعودة والتحرير، من خلال العمليات العسكرية التي اجتاحت الأراضي الفلسطينية، إلى أن قامت إسرائيل بشن حرب ضد ثلاث دول عربية مجاورة عام 1967، وتمكنت من احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء المصرية، بالإضافة إلى هضبة الجولان السورية. وعلى الرغم من هزيمة الجيوش العربية عام 1967 إلا أن الثورة الفلسطينية واصلت عملياتها العسكرية، وتمكنت بعد مضي ثمانية شهور على الهزيمة أن تصنع مع الجيش الأردني الباسل انتصارا لأول مرة في معركة الكرامة بتاريخ 21 مارس من عام 1968، ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي وصف انذاك بالجيش الذي لا يقهر، وأن تفرض عليه التمسمر بدل التقدم المستمر، وأن تعيد بوحدة الدم الفلسطيني الأردني الاعتبار للجيوش التي هزمت في حرب حزيران / يونيو 1967 . ومع استمرار العمليات العسكرية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، دفع الشعب الفلسطيني آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين على طريق التحرير والعودة، ولم تتوقف مشاريع التصفية والتآمر على القضية الفلسطينية من اجل إنهائها وفرض الأمر الواقع على شعبنا الفلسطيني، وفي الوقت نفسه لم يتوقف التحرك الفلسطيني السياسي على كل المستويات من أجل البحث عن حقوق الشعب الفلسطيني وفرض واقع جديد للشعب الفلسطيني، وتمكنت الثورة الفلسطينية من تحويل الشعب الفلسطيني من شعب لاجئ يقف على أبواب وكالة الغوث ليتلقى المعونات إلى شعب مقاتل يبحث عن الحرية والكرامة، وأن تصنع من جغرافيا صغيرة أكبر قضية تشغل العالم. وفي عام 1974 وقف الشهيد ياسر عرفات ممثلا للشعب الفلسطيني لأول مرة على منبر الأمم المتحدة مخاطبا العالم وهو يحمل بندقية الثائر من أجل الحرية ليقول للعالم بأسره أن لا سلام ولا استقرار في منطقة الشرق الأوسط دون أن يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة في الحرية والكرامة، وحقه بالعودة إلى أرضه ووطنه التي طرد منها. وتمكنت الثورة الفلسطينية من انتزاع الاعتراف الدولي بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني، وعضوية كاملة في جامعة الدول العربية، وحصلت على مقعد مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقرارا دوليا رقم 3236 بحق الشعب الفلسطيني استخدام كل أشكال النضال بما في ذلك الكفاح المسلح. ولكن كلما تقدمت عجلة الثورة ازدادت المؤامرة عليها، فلم تنقطع محاولات إسرائيل للقضاء على الثورة الفلسطينية إلى أن تمكنت من محاصرة بيروت حيث تتواجد القيادة الفلسطينية ولمدة 88 يوما إلا أنه فشلت بالقضاء عليها، وخرجت قوات الثورة الفلسطينية من لبنان إلى عدة دول عربية، ولكن الثورة الفلسطينية لم تتوقف عن الوصول إلى فلسطين واستمرت عملياتها الموجعة لقوات الاحتلال، إلى أن تفجرت الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الأولى والتي تمكنت من هز أركان الكيان الصهيوني والعالم بأسره نظرا للصمود الأسطوري لشعبنا في وجه آلة الحرب الصهيونية المدعومة بكل أنواع الأسلحة من الولايات المتحدة الأمريكية، ولأسلوبها الفريد والذي قاوم الدبابة الصهيونية بالحجر، وانتصار الدم على السيف بانتفاضته الكبرى في ديسمبر 1987، مما أدى الى التحرك الأمريكي والأوروبي والعالم بأسره لوقف هذه الانتفاضة العظيمة، حيث عقد مؤتمر مدريد للسلام وصولا إلى توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية ، والذي أدى إلى إقامة سلطة فلسطينية على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة. لقد ظن الإسرائيليون أن باستطاعتهم ترويض واحتواء وإخضاع الشعب الفلسطيني للمشروع الصهيوني، وهذا ما أكده مؤتمر كامب ديفيد الذي تميز عرفات بعدم قبول الغموض الأمريكي بشأن القدس والمستوطنات، فحوصر ياسر عرفات في مقر إقامته في رام الله، اعتقادا بأنهم يستطيعون إنهاء الحلم الفلسطيني في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس، فجاء الرد من القائد التاريخي للشعب الفلسطيني بقوله من مقره المحاصر " على القدس رايحين ... شهداء بالملايين " وازدادت الانتفاضة الفلسطينية والمواجهة مع الاحتلال قوة وشدة وعنفوانا وإصرارا وإيمانا بمواصلة المواجهة والمقاومة حتى تحقيق النصر المتمثل بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وحق شعبنا الفلسطيني بالعودة إلى وطنه طبقا لقرار الشرعية الدولية رقم 194. واليوم وبعد أكثر من عشرين عاما من المفاوضات المباشرة مع الكيان الصهيوني، وفي ظل هذه الظروف الاستثنائية الغاية في القسوة والتعقيد في منطقة الشرق الأوسط، وتقسيم المقسم وتشتيت وتفتيت الأمة، يتعرض شعبنا الفلسطيني لأبشع الجرائم التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية في إطار إرهاب الدولة المنظم، موغلة في الاستيطان وسرقة الأرض وهدم البيوت والقتل والإعدامات الميدانية دون رادع قانوني أو أخلاقي، في محاولة فاشلة ومتكررة للقضاء نهائيا على القضية الفلسطينية.
لقد أصدرت الأمم المتحدة أكثر من ثلاثين قرارا تؤكد وتدعو لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، ولكن إسرائيل مدعومة بالفيتو الأمريكي رفضت جميع هذه القرارات، بل تحاول أن تصنع نكبة جديدة للشعب الفلسطيني من خلال العمل على تهجير وإبعاد شعبنا عن أرضه ووطنه، إلا أن القيمة الحقيقية لشعبنا الفلسطيني وبخاصة اللاجئين تتجلى في صموده وتمترسه وراء حقه، فهذه القيمة تمثل بوصلة النضال الوطني الفلسطيني للتحرر من الاحتلال، فقضية اللاجئين هي المحرك الرئيسي والفعلي لديناميكية العمل النضالي بأشكاله السياسية والشعبية والتنظيمية وصولا إلى الحرية والاستقلال الوطني، فقد وصف الراحل ياسر عرفات بأن الشعب الفلسطيني خلقه الله للشدة والتحمل وهو ماض في النضال حتى تحقيق أهدافه الوطنية ولن يتوقف أبدا حتى تحقيق حلمه بالعودة إلى أرضه طال الزمن أم قصر.
إن حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجروا منها قسراً وتعويضهم عن أملاكهم وما لحق بهم طيلة 68 عاما مضت هو حق لا تنازل عنه أبداً وقد ضمنه القرار الأممي رقم 194 الذي ظل حبيس إدراج الأمم المتحدة ولم يخرج إلى الحياة، مما يستدعي تحركا عربيا فاعلا لإلزام العالم المدافع عن الحريات بتنفيذ القرار، وقد آن الأوان لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني بعد تلك السنوات العجاف التي لم تنته عند حدود النكبة بل ظلت إسرائيل مستمرة في مخططات التهجير ونهب الأرض ومصادرتها وتهويد القدس، فتآكلت أرضنا أمام غول الاستيطان. فعمق القضية الفلسطينية ينبع من بعدها العربي، مما يحتم على الأشقاء العرب حكومات وأحزاب أن يعيدوا الاعتبار لقضية العرب الأولى رغم إدراكنا حجم هموم الأشقاء الداخلية، التي تستغلها إسرائيل لتمرير مخطط خطير يستهدف النيل من مشروعنا الوطني لتقويض مبدأ إقامة دولة فلسطين.
فعلى الرغم من الإجماع العالمي بالاعتراف بدولة فلسطين عضوا مراقبا في الأمم المتحدة، إلا أن العالم اجمع بات أمام اختبار حقيقي من اجل إنصاف شعبنا وإزالة الظلم التاريخي عنه، وإجبار إسرائيل على الإيفاء بالتزاماتها ومعاقبتها على جرائمها المتواصلة بحق شعبنا، والتأكيد على أنه لا مجال لاستقرار المنطقة إلا بتمكين شعبنا من ممارسة حقوقه وفي مقدمتها حق العودة تنفيذاً للقرار (194) وحق تقرير المصير وحق إقامة دولته وعاصمتها القدس.
لقد جاءت اللحظة لرفع الظلم التاريخي الذي وقع على شعبنا جراء النكبة التي غيرت وجه المنطقة في أبشع صور التطهير العرقي والتهجير الذي مورس ضد الشعب الفلسطيني عام 1948 وإقامة دولة الاحتلال الإسرائيلي على أنقاض مدن وقرى فلسطين وعلى ذكريات وأحلام شعب تحول بين ليلة وضحاها من صاحب ارض إلى لاجئ في مخيمات ظلت شاهدة على هول الجريمة.
لقد أعطت القيادة السياسية الفلسطينية كل شيء من أجل السلام، إلا أن الحكومة الإسرائيلية استمرت برفض الالتزام بتنفيذ الاتفاقات المبرمة بين الطرفين، لذلك لابد من التنفيذ الفوري لقرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي عقد في آذار / مارس الماضي، والقاضي بتحديد العلاقة مع الجانب الإسرائيلي، ووقف التنسيق الأمني بأشكاله كافة مع سلطة الاحتلال في ضوء عدم التزامها بالاتفاقيات الموقعة بين الجانبين، والإسراع بإنهاء الانقسام الفلسطيني وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية الضمانة الحقيقية لإنجاز المشروع الوطني الفلسطيني، وإن تعذر تحقيق الوحدة ينبغي على حركة فتح أن تقوم بعمل إبداعي خلاق يحافظ على قيادة و ريادة المشروع الوطني، كما فعلت في السابق عندما حولت شعبنا من لاجئين إلى مقاتلين من أجل الحرية، عند ذلك سيجبر الآخرون على اللحاق بها. كما حان الوقت أكثر من أي وقت مضى من أجل تفعيل المواجهة الميدانية الواسعة مع الاحتلال والتي ينبغي أن تشمل كافة القرى والمدن، وفي الوقت نفسه ملاحقة مجرمي الحرب قادة الاحتلال على ما اقترفوه من جرائم ضد الشعب الفلسطيني، وعلى كل المستويات من محكمة لاهاي وحتى المحاكم الوطنية في دول أوروبا والدول الأخرى. وستبقى العدالة الدولية ناقصة ما دام اللاجئون الفلسطينيون يعيشون في المخيمات ولم يعودوا لبيوتهم ووطنهم .
المزيد على دنيا الوطن .. http://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2016/05/18/920078.html#ixzz49HAKjCm0
Follow us: @alwatanvoice on Twitter | alwatanvoice on Facebook