تقاعس مؤسسات الدولة في لبنان عن سدّ الاحتياجات الأساسية للمواطنين فتح المجال لانبثاق عدد كبير من المؤسسات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني لسدّ هذا الفراغ، ما أدى إلى "فوضى" مدفوعة بغياب الإطار القانوني والرقابة الجادة.
يعاني لبنان من مشاكل اجتماعية عديدة، لاسيما في ظل عجز الدولة عن تأمين الاحتياجات الضرورية لمواطنيها، الأمر الذي عزز من دور المؤسسات الخيرية والمنظمات المدنية لسد هذا الفراغ من خلال توفير ما تعجز مؤسسات الدولة عن توفيره.
وما يشير إلى ذلك بلوغ عدد الجمعيات المرخّصة في لبنان أكثر من 2000 منظمة، بحسب أرقام وزارة الداخلية، كثير منها تم تسجيله عقب حرب صيف 2006 بين إسرائيل ومنظمة حزب الله. إلا أن هذه المنظمات تعمل في ظل إطار قانوني غير كاف ولا تتم مراقبتها بشكل جدي من قبل وزارتي الداخلية والمالية، بحسب ما ينتقد مراقبون. وهذا يدفع ببعض هذه المؤسسات إلى استغلال هدفها الخيري لأغراض تجارية. DW Arabia استطلعت آراء المعنيين والخبراء بهذا القطاع.
سهولة في الترخيص والأولوية للأجندة السياسية
وفي هذا السياق يؤكد محمد شقير، مسؤول شؤون الجمعيات في حركة "أمل"، أنه يكفي التقدّم بنظام أساسي مع لائحة بأسماء الأعضاء المؤسسين للحصول على "علم وخبر" – أي إذن لممارسة أنشطة المؤسسة – من مصلحة الجمعيات والشؤون السياسية في وزارة الداخلية. ويتابع شقير: "إن الطلبات تحظى بدراسة وافية إجمالاً للتأكد من التزام المنظمة المرخص لها، وللوزارة المعنية حق سحب الترخيص إذا ثبت مخالفة الجمعية للقوانين المرعية الاجراء".
ويعتبر شقير أنه من المفروض أن تتعاطى الجمعيات بشفافية تامة من حيث تقديم التقارير عن موازناتها وكيفية الحصول على المدخولات والنفقات التي تخدم الشريحة المستهدفة، إلا أن هناك بعض الجمعيات التي تتصرف بطريقة "غير مقنعة"، بحسب رأيه.
وحول ذلك يقول رالف رحمة، رئيس جمعية "فيد" الانسانية، إن الأحزاب تدير مراكز اجتماعية وتمتلك التسهيلات اللازمة والمعدات المتطورة لجذب عدد كبير من المحتاجين، لافتاً إلى أن الأحزاب لديها شبكات اجتماعية واقتصادية قوية قادرة إلى إطلاق مشاريع كبيرة، بالإضافة إلى إمكانية الوصول إلى الموارد المالية بسهولة، وهو أمر لا تحظى به الجمعيات غير التابعة لجهات حزبية.
المصداقية أهم؟
ويوضح رحمة أن "الجمعيات الحزبية تستطيع العمل بحرية أكبر. لكن السمعة الحسنة تبقى أساساً صلباً في هذا القطاع. فالجمعيات المدنية التي تتبع أسلوب عمل مستقيم وتخدم كل المحتاجين على حد سواء بشكل شفاف تلقى دعماً وتستقطب التبرعات من لبنان ودول الاغتراب". كما يشرح أن الفوضى في الجمعيات ترجع إلى تطبيق قانون الأحزاب على الجمعيات، مما يجعل موضوع تطوير التشريعات المتعلقة بالمجتمع المدني معلّقاً بسبب الاحتقان السياسي في البلد.
هذا الأمر، بحسب رالف رحمة، أدّى إلى ترخيص جمعيات كثيرة، ما أدى بدوره إلى استحالة تطبيق معايير رقابة جدية. يضاف إلى ذلك وجود العديد من المؤسسات المدنية، التي تتخذ العمل الاجتماعي غطاءاً لتمرير أمور غير مشروعة أو تجارية، ما دفع بعض المصارف اللبنانية إلى رفض فتح حسابات لجمعيات خيرية بسبب مخاوفها من عمليات غسل الأموال.
هواجس المصارف مبررة أحياناً، كما يقول الخبير في شؤون الجمعيات فادي صقر، إذ إن بعض المؤسسات التي تعمل، مثلاً، على تأمين المساعدات العينية كالأدوية، تستغل التبرعات لأغراض تجارية، ناهيك عن التلاعب بالموازنات والمدخولات المصرح عنها، ونشر الأرقام أو إبرازها بما لا يتماشى مع أبسط قواعد الشفافية. إلى ذلك ينتقد صقر تلكؤ وزارتي المالية والداخلية في استخدام صلاحياتهما للتدقيق في أنشطة تلك الجمعيات التي تقدم بيانات مالية لا تعكس الحقيقة.
أما جان كلاس، الأمين العام لجمعية "سعادة السماء"، فيرى أن الجمعيات تتبع في غالبيتها برامج متكاملة لخدمة المحتاجين، بشكل يسمح لهم بالانخراط الكامل في المجتمع وتأمين الاستقرار المستدام لعائلاتهم. لكنه يلمح إلى وجود عدد غير قليل من الجمعيات لا يتبع برامج عمل حقيقية أو مهنية، مما يسهم في خلق بيئة تشجع على الفوضى في العمل والتلاعب بالموارد المالية أو التبرعات العينية، مضيفاً أن "كثرة الجمعيات تعكس عجز الدولة عن تلبية متطلبات المجتمع. الدولة لا تقدر أن توفر أساسيات المعيشة، وفي ظل غيابها تأتي الجمعيات لتحل مكانها وهذا أمر غير صحي".
بيروت - شربل طانيوس
مراجعة: ياسر أبو معيلق
وما يشير إلى ذلك بلوغ عدد الجمعيات المرخّصة في لبنان أكثر من 2000 منظمة، بحسب أرقام وزارة الداخلية، كثير منها تم تسجيله عقب حرب صيف 2006 بين إسرائيل ومنظمة حزب الله. إلا أن هذه المنظمات تعمل في ظل إطار قانوني غير كاف ولا تتم مراقبتها بشكل جدي من قبل وزارتي الداخلية والمالية، بحسب ما ينتقد مراقبون. وهذا يدفع ببعض هذه المؤسسات إلى استغلال هدفها الخيري لأغراض تجارية. DW Arabia استطلعت آراء المعنيين والخبراء بهذا القطاع.
سهولة في الترخيص والأولوية للأجندة السياسية
وفي هذا السياق يؤكد محمد شقير، مسؤول شؤون الجمعيات في حركة "أمل"، أنه يكفي التقدّم بنظام أساسي مع لائحة بأسماء الأعضاء المؤسسين للحصول على "علم وخبر" – أي إذن لممارسة أنشطة المؤسسة – من مصلحة الجمعيات والشؤون السياسية في وزارة الداخلية. ويتابع شقير: "إن الطلبات تحظى بدراسة وافية إجمالاً للتأكد من التزام المنظمة المرخص لها، وللوزارة المعنية حق سحب الترخيص إذا ثبت مخالفة الجمعية للقوانين المرعية الاجراء".
ويعتبر شقير أنه من المفروض أن تتعاطى الجمعيات بشفافية تامة من حيث تقديم التقارير عن موازناتها وكيفية الحصول على المدخولات والنفقات التي تخدم الشريحة المستهدفة، إلا أن هناك بعض الجمعيات التي تتصرف بطريقة "غير مقنعة"، بحسب رأيه.
العدد الكبير من المؤسسات الخيرية والمدنية في لبنان يسد فراغ عجز الدولة عن توفير متطلبات الحياة الأساسية للمواطنين
كما يشير مسؤول شؤون الجمعيات في حركة "أمل" إلى أن "الجمعيات المدنية التابعة للأحزاب (تنشط) بشكل كبير في لبنان. هذه المؤسسات تعمل وفق توجيهات الحزب الذي تتبعه وتخدم بشكل أساسي الأجندة السياسية المطلوب تحقيقها". كما أن نشاط الجمعيات الحزبية يعتمد على الدعم المالي والسياسي للجهة النافذة، التي توجه مشاريعها لخدمة القاعدة الشعبية والمنتسبين من ناحية، وتستقطب بخدماتها غير المنتسبين أو المحايدين من ناحية أخرى، بحسب شقير. وتركز الجمعيات التابعة للأحزاب على تأمين الخدمات الطبية والتربوية والاجتماعية، بما في ذلك مراكز العناية بالمعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة، إلى جانب توفير المنح المدرسية والمواد الغذائية.وحول ذلك يقول رالف رحمة، رئيس جمعية "فيد" الانسانية، إن الأحزاب تدير مراكز اجتماعية وتمتلك التسهيلات اللازمة والمعدات المتطورة لجذب عدد كبير من المحتاجين، لافتاً إلى أن الأحزاب لديها شبكات اجتماعية واقتصادية قوية قادرة إلى إطلاق مشاريع كبيرة، بالإضافة إلى إمكانية الوصول إلى الموارد المالية بسهولة، وهو أمر لا تحظى به الجمعيات غير التابعة لجهات حزبية.
المصداقية أهم؟
ويوضح رحمة أن "الجمعيات الحزبية تستطيع العمل بحرية أكبر. لكن السمعة الحسنة تبقى أساساً صلباً في هذا القطاع. فالجمعيات المدنية التي تتبع أسلوب عمل مستقيم وتخدم كل المحتاجين على حد سواء بشكل شفاف تلقى دعماً وتستقطب التبرعات من لبنان ودول الاغتراب". كما يشرح أن الفوضى في الجمعيات ترجع إلى تطبيق قانون الأحزاب على الجمعيات، مما يجعل موضوع تطوير التشريعات المتعلقة بالمجتمع المدني معلّقاً بسبب الاحتقان السياسي في البلد.
هذا الأمر، بحسب رالف رحمة، أدّى إلى ترخيص جمعيات كثيرة، ما أدى بدوره إلى استحالة تطبيق معايير رقابة جدية. يضاف إلى ذلك وجود العديد من المؤسسات المدنية، التي تتخذ العمل الاجتماعي غطاءاً لتمرير أمور غير مشروعة أو تجارية، ما دفع بعض المصارف اللبنانية إلى رفض فتح حسابات لجمعيات خيرية بسبب مخاوفها من عمليات غسل الأموال.
رالف رحمة، رئيس جمعية "فيد" الخيرية
الشفافية والبرامج الواضحةهواجس المصارف مبررة أحياناً، كما يقول الخبير في شؤون الجمعيات فادي صقر، إذ إن بعض المؤسسات التي تعمل، مثلاً، على تأمين المساعدات العينية كالأدوية، تستغل التبرعات لأغراض تجارية، ناهيك عن التلاعب بالموازنات والمدخولات المصرح عنها، ونشر الأرقام أو إبرازها بما لا يتماشى مع أبسط قواعد الشفافية. إلى ذلك ينتقد صقر تلكؤ وزارتي المالية والداخلية في استخدام صلاحياتهما للتدقيق في أنشطة تلك الجمعيات التي تقدم بيانات مالية لا تعكس الحقيقة.
أما جان كلاس، الأمين العام لجمعية "سعادة السماء"، فيرى أن الجمعيات تتبع في غالبيتها برامج متكاملة لخدمة المحتاجين، بشكل يسمح لهم بالانخراط الكامل في المجتمع وتأمين الاستقرار المستدام لعائلاتهم. لكنه يلمح إلى وجود عدد غير قليل من الجمعيات لا يتبع برامج عمل حقيقية أو مهنية، مما يسهم في خلق بيئة تشجع على الفوضى في العمل والتلاعب بالموارد المالية أو التبرعات العينية، مضيفاً أن "كثرة الجمعيات تعكس عجز الدولة عن تلبية متطلبات المجتمع. الدولة لا تقدر أن توفر أساسيات المعيشة، وفي ظل غيابها تأتي الجمعيات لتحل مكانها وهذا أمر غير صحي".
بيروت - شربل طانيوس
مراجعة: ياسر أبو معيلق