لم يسلم المشهد الثقافي من مضاعفات المرحلة الجديدة، حاله حال مجالات اخرى، سواء كانت سياسية، اقتصادية، اجتماعية وغيرها، وأقصد بالمرحلة الجديدة، التحولات البنيوية الكبيرة بعد نيسان 2003. ثمة زلزال – كما يحلو للبعض أن يسميه- حدث كالصدمة الكبيرة، وتحدث عنه الجميع، هذه الصدمة أو الزلزال، تسبب بتهديم كيانات الدولة على نحو شبه تام، كل شيء تحول الى ركام وأنقاض، على أمل أن تبني لنا الفوضى (الامريكية) الخلاقة عراقا جديدا، يختلف عن تأريخ الأمس القمعي المتخلف بكل ما تحمل هذه الكلمة من توابع، ولم تستطع فوضى امريكا ان تبني عراقا يستحقه العراقيون بشهادة الاحداث والوقائع التي امتدت على طول السنوات التسع الماضية. وحين نتحدث عن كربلاء في هذا الجانب، فإنها جزء من الروح والجسد العراقيين، وقد عانت ما عانت كغيرها منن المدن جراء العصف التغييري الهائل، لكن الأسوأ فيما حدث، أن الاهتزازات المتواصلة التي غربلت الحياة العراقية بكل ميادينها، سمحت للفوضى أن تتسلل الى كل شيء حتى البيوت، وأعني هنا بيوت العوائل العراقية، واذا كان الامر وصل الى هذا الحد، فمن باب أولى أن تتسلل الفوضى الى الثقافة العراقية. فهل وصلت فوضى الثقافة الى كربلاء؟ وهل عانى منها المثقفون وغيرهم؟ وهل ثمة بوادر أمل في إزاحة مخاطر الفوضى الثقافية جانبا؟ وبناء ثقافة تليق بتأريخ المدينة العريقة ذات الخصوصية التي تمنحها هيأة ثقافية مادية تختلف عن غيرها من المدن. هذه الاسئلة وغيرها ترد في ذهن المثقف الكربلائي بطبيعة الحال، ولابد أن يجيب عنها، حتى لو تحدّث الى نفسه منفردا، في ظل دور ثقافي هامشي لا يرقى أبدا الى الدور العظيم للثقافة والمثقفين. بماذا يجيب المثقف في كربلاء عن التساؤلات التي تلحّ عليه ومنها التي ذكرناها قبل قليل؟ إنه يقول لنفسه وللآخرين، نعم وصلت الفوضى الى الثقافة في كربلاء، وثمة تشظٍّ في المشاهد والصور والجهود، منظمات ثقافية عديدة تتسابق في تقديم أنشطة ثقافية متنوعة، ثمة اتحاد الادباء، والبيت الثقافي، والمنتدى الثقافي، ونادي الكتاب، ومركز الفرات، واتحاد الاديبات وغيرها، ولدينا في المدينة ايضا أنشطة ثقافية ومسرحية تشرف عليها العتبتان المطهرتان الحسينية والعباسية، هذه المنظمات كلها تريد أن تسهم بتقديم جوهر ثقافي جيد، فتتسابق في هذا المجال كي تترك بصمتها الواضحة في المشهد، بيد أن الفوضى لن تتراجع عن تأثيرها، فبدلا من أن تُنسَّق هذه الانشطة وتلتقي المنظمات في هدف واحد هو خدمة الثقافة ونشر الوعي، نجد تضاربا في الاداء ليس من باب المنافسة المشروعة ولكن من باب تكثيف الجهد وتوحيده لاظهار ثقافة المدينة بالوجه الامثل، لكن هناك خلل في ثقافة المدينة على الرغم من تعدد نوافذها، هناك ثقافة تنحو الى الشكل، هناك غياب او ضعف لبث قنوات الثقافة بين الفقراء، ثمة أحياء فقيرة تنام تحت ظلام الضوء والفكر معا، ونحن نتسابق لاقامة انشطة ثقافية قد لا أخطأ اذا وصفتها بالسطحية قياسا لطبقات الجهل التي تغطي عقول الفقراء، فحين تُلقى القصائد العصماء من منصات عالية، وتُعقد المهرجانات والاحتفالات في قاعات كبيرة مبردة، مضاءة ومزينة بالزهور واللوحات وطواقم الأرائك او الكراسي الفخمة، في هذا الوقت هناك تفشي بالامية بين الاطفال والمراهقين وكبار السن، وهناك أزبال تتراكم في الاحياء السكنية، وهناك مرضى قد يرهقهم ثمن حبة الاسبرين، وغير ذلك من المؤشرات التي تدل على الاهمال الحكومي والاهلي، وأعني بالاهلي منظمات المجتمع المدني وأثرياء ووجهاء المدينة الذين لا يستحون من مظاهر الفقر في مدينتهم، ولا يخجلون من جهل الفقراء حولهم، وليس ثمة من بينهم أحد رفغ صوته وحرّك جيبه وقال أنا أتبرع بالمبلغ الفلاني من أجل رفع مستوى الثقافة وتقليل ثقل الجهل، لذا لا احد من أغنياء كربلاء يفكر بنشر الثقافة والفن بين فقرائها، الكل يلهث خلف المال إلا ما ندر، فيما تتردى احوال الناس، قد يقول قائل، البناء والحفريات تدل على تطور المدينة، ولكن التطور المادي في البنايات والشوارع (مع انها محفّرة ومزرية) لايجدي قط ما لم يتطور معه الوعي. إذن المشهد الثقافي في كربلاء متحرك لكنه مرتبك وفوضوي وينحو الى الشكلية عموما، مطلوب من حكومة كربلاء أن تدعو خبراء الثقافة والفن في كربلاء وأن تضع برامج سنوية ثابتة وفق خطط يضعها المختصون والمعنيون تنهض بالثقافة الجوهرية التي تخدم الفقراء اولا. لدينا شعراء في المدينة وادباء وكتاب معروفين، لكن ليس لدينا ثقافة تثلج الصدر، والتقصير ليس من الحكومة والاثرياء فقط بل ثمة تقصير من المثقفين أنفسهم، لذا مع تعدد منافذ الثقافة في كربلاء، وهو مؤشر ممتاز، لكن الأهم أن تصبح ثقافتنا بجهودنا المشتركة (الحكومة/ الاثرياء/ المثقفين) ثقافة جوهرية تخدم الفقراء اولا، فتصبح في المحصلة، ثقافة شعب جوهرية وصحية. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق